ذكر
قبض السلطان مسعود وقتله وملك أخيه محمد
قد ذكرنا عود
nindex.php?page=showalam&ids=17075مسعود بن محمود بن سبكتكين إلى
غزنة من
خراسان ، فوصلها في شوال سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة ، وقبض على
سباشي وغيره من الأمراء ، كما ذكرناه ، ( وأثبت غيرهم ) وسير ولده
مودودا إلى
خراسان في جيش كثيف ليمنع
السلجوقية عنها ، فسار
مودود إلى
بلخ ليرد عنها
داود أخا
طغرلبك ، وجعل أبوه
مسعود معه وزيره
أبا نصر أحمد بن محمد بن عبد الصمد يدبر الأمور ، وكان مسيرهم ( من
غزنة ) في ربيع الأول سنة اثنتين وثلاثين .
وسار
مسعود بعدهم بسبعة أيام يريد بلاد
الهند ليشتو بها على عادة والده ، فلما سار أخذ معه أخاه
محمدا مسمولا ، واستصحب الخزائن ، وكان عازما على الاستنجاد
بالهند على قتال
السلجوقية ثقة بعهودهم . فلما عبر
سيحون وهو نهر كبير نحو
دجلة ، وعبر بعض الخزائن - اجتمع
أنوش تكين البلخي وجمع من الغلمان الدارية ، ونهبوا ما خلف من الخزانة ، وأقاموا أخاه
محمدا ثالث عشر ربيع الآخر ، وسلموا عليه بالإمارة ، فامتنع من قبول ذلك ، فتهددوه وأكرهوه ، فأجاب ، وبقي
مسعود فيمن معه من العسكر وحفظ نفسه ، فالتقى الجمعان منتصف ربيع الآخر ، فاقتتلوا ، وعظم الخطب على الطائفتين ، ثم انهزم عسكر
مسعود ، وتحصن هو في رباط ماريكلة ،
[ ص: 16 ] فحصره أخوه فامتنع عليه ، فقالت له أمه : إن مكانك لا يعصمك ، ولأن تخرج إليهم بعهد خير من أن يأخذوك قهرا . فخرج إليهم فقبضوا عليه ، فقال له أخوه
محمد : وه لا قابلتك على فعلك بي ، ولا عاملتك إلا بالجميل ، فانظر أين تريد أن تقيم حتى أحملك إليه ومعك أولادك وحرمك . فاختار قلعة كيكي ، فأنفذه إليها محفوظا ، وأم بإكرامه وصيانته .
وأرسل
مسعود إلى أخيه يطلب منه مالا ينفقه ، فأنفذ له خمسمائة درهم ، فبكى
مسعود وقال : كان بالأمس حكمي على ثلاثة آلاف حمل من الخزائن ، واليوم لا أملك الدرهمالفرد . فأعطاه الرسول من ماله ألف دينار فقبلها ، وكانت سبب سعادة الرسول ; لأنه لما ملك
مودود بن مسعود بالغ في الإحسان إليه .
ثم إن
محمدا فوض أمر دولته إلى ولده
أحمد ، وكان فيه خبط وهوج ، فاتفق هو وابن عمه
يوسف بن سبكتكين وابن علي خويشاوند على قتل
مسعود ، ليصفو الملك له ولوالده ، فدخل إلى أبيه فطلب خاتمه ليختم به بعض الخزائن ، فأعطاه ، فسار به إلى القلعة ، وأعطوا الخاتم لمستحفظها وقالوا : معنا رسالة إلى
مسعود ، فأدخلهم إليه فقلوه ، فلما علم
محمد بذلك ساءه وشق عليه وأنكره .
وقيل : إن
مسعودا لما حبس دخل عليه ولد أخيه
محمد ، واسم أحدهما
عبد الرحمن والآخر
عبد الرحيم ، فمد
عبد الرحمن يده فأخذ القلنسوة من رأس عمه
مسعود ، فمد
عبد الرحيم يده وأخذ القلنسوة من أخيه ، وأنكر عليه ذلك وسبه وقبلها ، وتركها على رأس عمه ، فنجا بذلك
عبد الرحيم من الأسر لما ملك
مودود بن مسعود ، على ما نذكره إن شاء الله .
ثم إن
محمدا أغراه ولده
أحمد بقتل عمه
مسعود ، فأمر بذلك ، وأرسل إليه من
[ ص: 17 ] قتله ، وألقاه في بئر وسد رأسها ، وقيل : بلى ألقي في بئر حيا وسد رأسها فمات . والله أعلم .
فلما مات كتب
محمد إلى ابن أخيه
مودود وهو
بخراسان يقول : إن والدك قتل قصاصا ، قتله أولاد
أحمد ينال تكين بلا رضا مني . فأجاب
مودود يقول : أطال الله بقاء الأير العم ، ورزق ولده المعتوه
أحمد عقلا يعيش به ، فقد ركب أمرا عظيما ، وأقدم على إراقة دم ملك مثل والدي الذي لقبه أمير المؤمنين سيد الملوك والسلاطين ، وستعلمون في أي حتف تورطتم ، وأي شر تأبطتم وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون . نفلق هاما من رجال أعزة علينا ، وهم كانوا أعق وأظلما
وطمع جند
محمد فيه ، وزالت عنهم هيبته ، فمدوا أيديهم إلى أموال الرعايا فنهبوها ، فخربت البلاد وجلا أهلها ، لاسيما مدينة
برشاوور ، فإنها هلك أهلها ، ونهبت أموالهم ، وكان المملوك بها يباع بدينار ، وتباع الخمر كل منا بدينار ، ثم رحل
محمد عنها لليلتين بقيتا من رجب ، وكان ما نذكره إن شاء الله تعالى .
وكان السلطان
مسعود شجاعا كريما ، ذا فضائل كثيرة ، محبا للعلماء ، كثير الإحسان إليهم والتقرب لهم ، صنفوا له التصانيف الكثيرة في فنون العلوم ، وكان كثير الصدقة والإحسان إلى أهل الحاجة ، تصدق مرة في شهر رمضان بألف ألف درهم ، وأكثر الإدرارات والصلات ، وعمر كثيرا من المساجد في ممالكه ، وكانت صنائعه ظاهرة مشهورة تسير بها الركبان ، مع عفة عن أموال رعاياه ، وأجاز الشعراء بجوائز عظيمة ، أعطى شامرا على قصيدة ألف دينار ، وأعطى آخر بكل بيت ألف
[ ص: 18 ] درهم ، وكان يكتب خطا حسنا ، وكان ملكه عظيما ، فسيحا ، ملك
أصبهان والري وهمذان وما يليها من البلاد ، وملك
طبرستان ،
وجرجان ،
وخراسان ،
وخوارزم ،
وبلاد الروان ،
وكرمان ،
وسجستان ،
والسند ،
والرخج ،
وغزنة ،
وبلاد الغور ،
والهند ، وملك كثيرا منها ، وأطاعه أهل البر والبحر ، ومناقبه كثيرة ، وقد صنفت فيها التصانيف المشهورة ، فلا حاجة إلى الإطالة بذكرها .