[ ص: 101 ] 444
ثم دخلت سنة أربع وأربعين وأربعمائة
ذكر
قتل عبد الرشيد صاحب غزنة وملك فرخ زاد
في هذه السنة قتل
عبد الرشيد بن محمود بن سبكتكين صاحب
غزنة .
وكان سبب ذلك أن حاجبا
لمودود ابن أخيه
مسعود ، اسمه
طغرل ، وكان
مودود قد قدمه ونوه باسمه ، وزوجه أخته ، فلما توفي
مودود وملك
عبد الرشيد أجرى
طغرل على عادته في تقدمه ، وجعله حاجب حجابه ، فأشار عليه
طغرل بقصد الغز وإجلائهم من
خراسان ، فتوقف استبعادا لذلك ، فألح عليه
طغرل ، فسيره في ألف فارس ، فسار نحو
سجستان وبها
أبو الفضل نائبا عن
بيغو ، فأقام
طغرل على حصار
قلعة طاق ، وأرسل إلى
أبي الفضل يدعوه إلى طاعة
عبد الرشيد ، فقال له : إنني نائب عن
بيغو ، وليس من الدين ولمروءة خيانته ، فاقصده ، فإذا فرغت منه سلمت إليك . فقام على حصار
طاق أربعين يوما ، فلم يتهيأ له فتحها ، وكتب
أبو الفضل إلى
بيغو يعرفه حال طغرل ، فسار إلسجستان ليمنع عنها
طغرل .
ثم إن
طغرل ضجر من مقامه على حصار
طاق ، فسار نحو مدينة
سجستان ، فلما كان على نحو فرسخ منها كمن بحيث لا يراه أحد ، ( لعلة يجدها ، وفرصة ينتهزها ) فسمع أصوات دبادب وبوقات ، فخرج وسأل بعض من على الطريق ، فأخبره أن
بيغو قد وصل ، فعاد إلى أصحابه وأخبرهم ، وقال لهم : ليس لنا إلا أن نلتقي القوم ، ونموت
[ ص: 102 ] تحت السيوف أعزة ، فإنه لا سبيل لنا إلى الهرب ، لكثرتهم وقلتنا .
فخرجوا من مكمنهم فلما رآهم
بيغو سأل
أبا الفضل عنهم ، فأخبره أنه
طغرل ، فاستقل من معه وسير طائفة من أصحابه لقتالهم ، فلما رآهم
طغرل لم يعرج عليهم ، بل أقحم فرسه نهرا هناك فعبره ، وقصد بيغو ومن معه فقاتلهم ، وهزمهم
طغرل وغنم ما معهم ، ثم عطف على الفريق الآخر ، فصنع بهم مثل ذلك ، وأم
بيغو وأبو الفضل نحو
هراة ، وتبعهم
طغرل نحو فرسخين ، وعاد إلى المدينة فملكها ، وكتب إلى
عبد الرشيد بما كان منه ، ويطلب الإمداد ليسير إلى
خراسان ، فأمده بعدة كثيرة من الفرسان ، فوصلوا إليه ، فاشتد بهم وأقام مديدة .
ثم حدث نفسه بالعود إلى
غزنة والاستيلاء عليها ، فأعلم أصحابه ذلك ، وأحسن إليهم ، واستوثق منهم ، ورحل إلى
غزنة طاويا للمراحل كاتما أمره ، فلما صار على خمسة فراسخ من
غزنة أرسل إلى
عبد الرشيد مخادعا له يعلمه أن العسكر خالفوا عليه وطلبوا الزيادة في العطاء ، وأنهم عادوا بقلوب متغيرة مستوحشة . فلما وقف على ذلك مع أصحابه وأهل ثقته وأعلمهم الخبر ، فحذروه منه وقالوا له : إن الأمر قد أعجل عن الاستعداد ، وليس غير الصعود إلى القلعة والتحصن بها . فصعد إلى قلعة غة وامتنع بها .
ووافى
طغرل من الغد إلى البلد ، ونزل في دار الإمارة ، وراسل المقيمين بالقلعة في تسليم
عبد الرشيد ، ووعدهم ورغبهم إن فعلوا ، وتهددهم إن امتنعوا . فسلموه إلي ، فأخذه
طغرل فقتله ، واستولى على البلد وتزوج ابنة
مسعود كرها .
وكان في الأعمال الهندية أمير يسمى
خرخيز ومعه عسكر كثير ، فلما قتل
طغرل عبد الرشيد واستولى على الأمر - كتب إليه ودعاه إلى الموافقة والمساعدة على ارتجاع الأعمال من أيدي الغز ، ووعده على ذلك ، وبذل البذول الكثيرة ، فلم يرض
[ ص: 103 ] فعله ، وأنكره وامتعض منه ، وأغلظ له في الجواب ، وكتب إلى ابنة
مسعود بن محمود زوجة
طغرل ووجوه القواد ، ينكر ذلك عليهم ، ويوبخهم على إغضائهم وصبرهم على ما فعله
طغرل من قتل ملكهم وابن ملكهم ، ويحثهم على الأخذ بثأره . فلما وفوا على كتبه عرفوا غلطتهم ، ودخل جماعة منهم على
طغرل ، ووقفوا بين يديه ، فضربه أحدهم بسيفه وتبعه الباقون ، فقتله .
وورد
خرخيز الحاجب بعد خمسة أيام ، وأظهر الحزن على
عبد الرشيد ، وذم
طغرل ومن تابعه على فعله ، وجمع وجوه القواد وأعيان أهل البلد وقال لهم : قد عرفتم ما جى مما خولفت به الديانة والأمانة ، وأنا تابع ، ولا بد للأمر من سائس ، فاذكروا ما عندكم من ذلك . فأشاروا بولاية
nindex.php?page=showalam&ids=16190فرخ زاد بن مسعود بن محمود وكان محبوسا في بعض القلاع ، فأحضر وأجلس بدار الإمارة ، وأقام
خرخيز بين يديه يدبر الأمور ، وأخذ من أعان على قتل
عبد الرشيد فقتله ، فلما سمع
داود أخو
طغرلبك صاحب
خراسان بقتل
عبد الرشيد جمع عساكره وسار إلى
غزنة ، فخرج إليه
خرخيز ومنعه وقاتله ، فانهزم
داود وغنم ما كان معه .
ولما استقر ملك
فرخ زاد ، وثبت قدمه - جهز جيشا جرارا إلى
خراسان ، فاستقبلهم الأمير
كلسارغ ، وهو من أعظم الأمراء ، فقاتلهم وصبر لهم ، فظفروا به ، وانهزم أصحابه عنه ، وأخذ أسيرا ، وأسر معه كثير من عسكر
خراسان ووجوههم وأمرائهم .
فجمع
ألب أرسلان عسكرا كثيرا ، وسير والده
داود في ذلك العسكر إلى الجيش الذي أسر
كلسارغ ، فقاتلهم وهزمهم ، وأسر جماعة من أعيان العسكر ، فأطلق
فرخ زاد الأسرى ، وخلع على
كلسارغ وأطلقه .