[ ص: 210 ] 459
ثم دخلت سنة تسع وخمسين وأربعمائة .
ذكر
عصيان ملك كرمان على ألب أرسلان وعوده إلى طاعته .
في هذه السنة عصى ملك
كرمان وهو
قرا أرسلان على
السلطان ألب أرسلان ، وسبب ذلك أنه كان له وزير جاهل سولت له نفسه الاستبداد بالبلاد عن السلطان ، وأن صاحبه إذا عصى ، احتاج إلى التمسك به ، فحسن لصاحبه الخلاف على السلطان فأجاب إلى ذلك ، وخلع الطاعة ، وقطع الخطبة . فسمع
ألب أرسلان ، فسار إلى
كرمان ، فلما قاربها وقعت طليعته على طليعة
قرا أرسلان بعد قتال ، فلما سمع
قرا أرسلان وعسكره بانهزام طليعتهم ، خافوا وتحيروا ، فانهزموا لا يلوي أحد على آخر ، فدخل
قرا أرسلان إلى
جيرفت وامتنع بها ، وأرسل إلى
السلطان ألب أرسلان يظهر الطاعة ويسأل العفو عن زلته ، فعفا عنه ، وحضر عند السلطان فأكرمه ، وبكى وأبكى من عنده ، فأعاده إلى مملكته ، ولم يغير عليه شيئا من حاله ، فقال للسلطان : إن لي بنات تجهيزهن إليك ، وأمورهن إليك ، فأجابه إلى ذلك ، وأعطى كل واحدة منهن مائة ألف دينار سوى الثياب والإقطاعات .
ثم سار منها إلى
فارس فوصل إلى
إصطخر ، وفتح قلعتها ، واستنزل واليها ،
[ ص: 211 ] فحمل إليه الوالي هدايا عظيمة جليلة المقدار ، من جملتها قدح فيروزج ، فيه منوان من المسك ، مكتوب عليه اسم
جمشيد الملك ، وأطاعه جميع حصون
فارس ، وبقي قلعته يقال لها
بهنزاد ، فسار
نظام الملك إليها ، وحصرها تحت جبلها ، وأعطى كل من رمى بسهم وأصاب قبضة من الدنانير ، ومن رمى حجرا ثوبا نفيسا ، ففتح القلعة في اليوم السادس عشر من نزوله ، ووصل السلطان إليه بعد الفتح ، فعظم محل نظام الملك عنده ، فأعلى منزلته ، وزاد في تحكيمه .
ذكر عدة حوادث .
في المحرم منها توفي
الأغر أبو سعد ، ضامن
البصرة ، على باب السلطان
بالري ، وعقدت
البصرة وواسط على
هزارسب بثلاثمائة ألف دينار .
وفي صفر منها وصل إلى
بغداذ شرف الملك
أبو سعد المستوفي ، وبنى على مشهد
أبي حنيفة ، رضي الله عنه ، مدرسة لأصحابه ، وكتب
الشريف أبو جعفر بن البياضي على القبة التي أحدثها :
ألم تر أن العلم كان مشتتا فجمعه هذا المغيب في اللحد كذلك كانت هذه الأرض ميتة
، فأنشرها فضل العميد أبي سعد
وفيها ، في جمادى الأولى ، وصلت
أرسلان خاتون ، أخت
السلطان ألب أرسلان ، وهي زوجة الخليفة ، إلى
بغداذ ، واستقبلها
فخر الدولة بن جهير الوزير على
فراسخ .
[ ص: 212 ] وفيها ، في ذي القعدة ، احترقت تربة
nindex.php?page=showalam&ids=17117معروف الكرخي ، رحمة الله عليه ، وسبب حريقها أن قيمها كان مريضا ، فطبخ لنفسه ماء الشعير ، فاتصلت النار بخشب وبواري كانت هناك ، فأحرقته واتصل الحريق ، فأمر الخليفة
أبا سعد الصوفي ، شيخ الشيوخ ، بعمارتها .
وفيها ، في ذي القعدة ، فرغت عمارة المدرسة النظامية ، وتقرر التدريس بها للشيخ
nindex.php?page=showalam&ids=11815أبي إسحاق الشيرازي ، فلما اجتمع الناس لحضور الدرس ، وانتظروا مجيئه ، تأخر ، فطلب ، فلم يوجد .
وكان سبب تأخره أنه لقيه صبي ، فقال له : كيف تدرس في مكان مغصوب ؟ فتغيرت نيته عن التدريس بها ، فلما ارتفع النهار ، وأيس من حضوره ، أشار
الشيخ أبو منصور بن يوسف بأبي نصر الصباغ ، صاحب كتاب الشامل ، وقال : لا يجوز أن ينفصل هذا الجمع إلا عن مدرس ، ولم يبق
ببغداذ من لم يحضر غير الوزير ، فجلس
أبو نصر للدرس ، وظهر الشيخ
أبو إسحاق بعد ذلك ، ولما بلغ نظام الملك الخبر أقام القيامة على
العميد أبي سعد ، ولم يزل يرفق بالشيخ
أبي إسحاق حتى درس بالمدرسة ، وكانت مدة تدريس
ابن الصباغ عشرين يوما . وفيها ، في ذي القعدة ، قتل
الصليحي ، أمير
اليمن ، بمدينة
المهجم ، قتله أحد أمرائها وأقيمت الدعوة العباسية هناك ، وكان قد ملك
مكة ، على ما ذكرناه سنة خمس وأربعمائة ، وأمن الحجاج في أيامه ، فأثنوا عليه خيرا ، وكسا
البيت بالحرير الأبيض الصيني ، ورد حلي
البيت إليه ، وكان
بنو حسن قد أخذوه وحملوه إلى
اليمن ، فابتاعه
الصليحي منهم .
[ ص: 213 ] [ الوفيات ]
( وفيها توفي
محمد بن إسماعيل بن أحمد أبو علي الطوسي ، قاضيها ، وكان يلقب العراقي لطول مقامه
ببغداذ ، وتفقه على
أبي طاهر الإسفراييني الشافعي ،
وأبي محمد الشاشي وغيرهما .