ذكر
قتل nindex.php?page=showalam&ids=13075ناصر الدولة بن حمدان .
في هذه السنة قتل
ناصر الدولة أبو علي الحسن بن حمدان ، وهو من أولاد
nindex.php?page=showalam&ids=13075ناصر الدولة بن حمدان ،
بمصر ، وكان قد تقدم فيها تقدما عظيما .
ونذكر هاهنا الأسباب الموجبة لقتله ، فإنها تتبع بعضها بعضا ، وفي حروب وتجارب ، وكان أول ذلك انحلال أمر الخلافة ، وفساد أحوال
nindex.php?page=showalam&ids=15234المستنصر بالله العلوي ، صاحبها ، وسببه أن والدته كانت غالبة على أمره ، وقد اصطنعت
أبا سعيد إبراهيم التستري اليهودي ، وصار وزيرا لها ، فأشار عليها بوزارة
أبي نصر الفلاحي ، فولته الوزارة ، واتفقا مدة ، ثم صار
الفلاحي ينفرد بالتدبير ، فوقع بينهما وحشة ، فخافه
الفلاحي أن يفسد أمره مع أم
المستنصر فاصطنع الغلمان
الأتراك ، واستمالهم ، وزاد في أرزاقهم ، فلما وثق بهم وضعهم على قتل اليهودي ، فقتلوه ، فعظم الأمر على أم
المستنصر ، وأغرت به ولدها ، فقبض عليه وأرسلت من قتله تلك الليلة ، وكان بينهما في القتل تسعة أشهر .
ووزر بعده
أبو البركات حسن بن محمد ، فوضعه على الغلمان
الأتراك فأفسد
[ ص: 238 ] أحوالهم ، وشرع يشتري العبيد
للمستنصر ، واستكثر منهم ، فوضعته أم
المستنصر ليغري العبيد المجردين بالأتراك ، فخاف عاقبة ذلك ، وعلم أنه يورث شرا وفسادا ، فلم يفعل ، فتنكرت له ، وعزلته عن الوزارة .
وولي بعده الوزارة
أبو محمد اليازوري من قرية من قرى
الرملة اسمها
يازور ، فأمرته أيضا بذلك ، فلم يفعل ، وأصلح الأمور إلى أن قتل .
ووزر بعده
أبو عبد الله الحسن بن البابلي ، فأمرته بما أمرت به غيره من الوزراء من إغراء العبيد بالأتراك ، ففعل ، فتغيرت نياتهم .
ثم إن
المستنصر ركب ليشيع الحجاج ، فأجرى بعض
الأتراك فرسه ، فوصل به إلى جماعة العبيد المحدثين ، وكانوا يحيطون
بالمستنصر ، فضربه أحدهم فجرحه ، فعظم ذلك على
الأتراك ونشبت بينهم الحرب ، ثم اصطلحوا على تسليم الجارح إليهم واستحكمت العداوة ، فقال الوزير للعبيد : خذوا حذركم ، فاجتمعوا في محلتهم .
وعرف
الأتراك ذلك ، فاجتمعوا إلى مقدميهم ، وقصدوا
nindex.php?page=showalam&ids=13075ناصر الدولة بن حمدان ، وهو أكبر قائد
بمصر ، وشكوا إليه ، واستمالوا المصامدة ، وكتامة ، وتعاهدوا ، وتعاقدوا ، فقوي
الأتراك ، وضعف العبيد المحدثون ، فخرجوا من
القاهرة إلى
الصعيد ليجتمعوا هناك ، فانضاف إليهم خلق كثير يزيدون على خمسين ألف فارس وراجل ، فخاف
الأتراك وشكوا إلى
المستنصر ، فأعاد الجواب أنه لا علم له بما فعل العبيد ، وأنه لا حقيقة له ، فظنوا قوله حيلة عليهم .
ثم قرب الخبر بقرب العبيد منهم بكثرتهم ، فأجفل
الأتراك وكتامة والمصامدة ، وكانت عدتهم ستة آلاف ، فالتقوا بموضع يعرف
بكوم الريش ، واقتتلوا ، فانهزم
الأتراك ومن معهم إلى
القاهرة ، وكان بعضهم قد كمن في خمسمائة فارس ، فلما انهزم
الأتراك خرج الكمين على ساقة العبيد ومن معهم ، وحملوا عليهم
[ ص: 239 ] حملة منكرة ، وضربت البوقات ، فارتاع العبيد ، وظنوها مكيدة من
المستنصر ، وأنه قد ركب باقي العسكر ، فانهزموا ، وعاد عليهم
الأتراك وحكموا فيهم السيوف ، فقتل منهم وغرق نحو أربعين ألفا وكان يوما مشهودا .
وقويت نفوس
الأتراك ، وعرفوا حسن رأي
المستنصر فيهم ، وتجمعوا ، وحشدوا ، فتضاعف عدتهم ، وزادت واجباتهم للإنفاق فيهم ، فخلت الخزائن ، واضطربت الأمور ، وتجمع باقي العسكر من
الشام وغيره إلى
الصعيد ، فاجتمعوا مع العبيد ، فصاروا خمسة عشر ألف فارس وراجل ، وساروا إلى
الجيزة ، فخرج عليهم
الأتراك ومن معهم ، واقتتلوا في الماء عدة أيام ، ثم عبر
الأتراك النيل إليهم مع
nindex.php?page=showalam&ids=13075ناصر الدولة بن حمدان ، فاقتتلوا ، فانهزم العبيد إلى
الصعيد ، وعاد
ناصر الدولة والأتراك منصورين .
ثم إن العبيد اجتمعوا
بالصعيد في خمسة عشر ألف فارس وراجل ، فقلق
الأتراك لذلك ، فحضر مقدموهم دار
المستنصر لشكوى حالهم ، فأمرت أم
المستنصر من عندها من العبيد بالهجوم على المقدمين والفتك بهم ، ففعلوا ذلك ، وسمع
ناصر الدولة الخبر ، فهرب إلى ظاهر البلد ، واجتمع
الأتراك إليه ووقعت الحرب بينهم وبين العبيد ، ومن تبعهم من
مصر ،
والقاهرة ، وحلف الأمير
nindex.php?page=showalam&ids=13075ناصر الدولة بن حمدان أنه لا ينزل عن فرسه ولا يذوق طعاما حتى ينفصل الحال بينهم ، فبقيت الحرب ثلاث أيام ، ثم ظفر بهم
ناصر الدولة ، وأكثر القتل فيهم ، ومن سلم هرب ، وزالت دولتهم من
القاهرة .
وكان
بالإسكندرية جماعة كثيرة من العبيد ، فلما كانت هذه الحادثة طلبوا الأمان ، فأمنوا وأخذت منهم
الإسكندرية ، وبقي العبيد الذين
بالصعيد .
[ ص: 240 ] فلما خلت الدولة
للأتراك طمعوا في
المستنصر ، وقل ناموسه عندهم ، وطلبوا الأموال ، فخلت الخزائن ، فلم يبق فيها شيء البتة ، واختل ارتفاع الأعمال ، وهم يطالبون ، واعتذر
المستنصر بعدم الأموال عنده ، فطلب
ناصر الدولة العروض ، فأخرجت إليهم ، وقومت بالثمن البخس ، وصرفت إلى الجند ، قيل إن واجب
الأتراك كان في الشهر عشرين ألف دينار ، فصار الآن في الشهر أربعمائة ألف دينار .
وأما العبيد
بالصعيد فإنهم أفسدوا ، وقطعوا الطريق ، وأخافوا السبيل ، فسار إليهم
ناصر الدولة في عسكر كثير ، فمضى العبيد من بين يديه إلى
الصعيد الأعلى ، فأدركهم ، فقاتلهم ، وقاتلوه ، فانهزم
ناصر الدولة منهم وعاد إلى
الجيزة بمصر ، واجتمع إليه من سلم من أصحابه ، وشغبوا على
المستنصر . واتهموه بتقوية العبيد والميل إليهم ، ثم جهزوا جيشا وسيروه إلى طائفة من العبيد ، فوهن الباقون ، وزالت دولتهم .
وعظم أمر
ناصر الدولة ، وقويت شوكته ، وتفرد بالأمر دون
الأتراك ، فامتنعوا من ذلك ، وعظم عليهم ، وفسدت نياتهم له ، فشكوا ذلك إلى الوزير ، وقالوا : كلما خرج من الخليفة مال أخذ أكثره له ولحاشيته ، ولا يصل إلينا منه إلا القليل . فقال الوزير : إنما وصل إلى هذا وغيره بكم ، فلو فارقتموه لم يتم له أمر . فاتفق رأيهم على مفارقة
ناصر الدولة ، وإخراجه من
مصر ، فاجتمعوا ، وشكوا إلى
المستنصر ، وسألوه أن يخرج عنهم
ناصر الدولة ، فأرسل إليه يأمره بالخروج ، ويتهدده إن لم يفعل ، فخرج من
القاهرة إلى
الجيزة ، ونهبت داره ودور حواشيه وأصحابه .
فلما كان الليل دخل
ناصر الدولة مستخفيا إلى القائد المعروف
بتاج الملوك شاذي ، فقبل رجله ، وقال : اصطنعني ! فقال : أفعل ، فحالفه على قتل مقدم من
الأتراك اسمه
إلدكز ، والوزير الخطير ، وقال
ناصر الدولة لشاذي : تركب في أصحابك ، وتسير بين القصرين ، فإذا أمكنتك فيهما فاقتلهما .
[ ص: 241 ] وعاد
ناصر الدولة إلى موضعه إلى
الجيزة . وفعل
شاذي ما أمره ، فركب
إلدكز إلى القصر ، فرأى
شاذي في جمعه ، فأنكره وأسرع فدخل القصر ، ففاته ، ثم أقبل الوزير في موكبه ، فقتله
شاذي ، وأرسل إلى
ناصر الدولة يأمره بالركوب ، فركب إلى باب
القاهرة ، فقال
إلدكز للمستنصر : إن لم تركب ، وإلا هلكت أنت ونحن . فركب ، ولبس سلاحه ، وتبعه خلق عظيم من العامة والجند ، واصطفوا للقتال ، فحمل
الأتراك على
ناصر الدولة فانهزم ، وقتل من أصحابه خلق كثير ، ومضى منهزما على وجهه لا يلوي على شيء ، وتبعه فل أصحابه ، ومضى إلى
بني سنبس ، فأقام عندهم وصاهرهم فقوي بهم .
وتجهزت العساكر إليه ليبعدوه ، فساروا حتى قربوا منه ، وكانوا ثلاث طوائف ، فأراد أحد المقدمين أن يفوز بالظفر وحده دون أصحابه ، فعبر فيمن معه إلى
ناصر الدولة ، وحمل عليه فقاتله ، فظفر به
ناصر الدولة ، فأخذه أسيرا ، وأكثر القتل في أصحابه ، وعبر العسكر الثاني ، ولم يشعروا بما جرى على أصحابهم ، فحمل
ناصر الدولة عليهم ، ورفع رءوس القتلى على الرماح ، فوقع الرعب في قلوبهم ، فانهزموا وقتل أكثرهم ، وقويت نفس
ناصر الدولة .
وعبر العسكر الثالث ، فهزمه وأكثر القتل فيهم ، وأسر مقدمهم ، وعظم أمره ، ونهب الريف فأقطعه ، وقطع الميرة عن
مصر برا وبحرا ، فغلت الأسعار بها ، وكثر الموت بالجوع ، وامتدت أيدي الجند
بالقاهرة إلى النهب والقتل ، وعظم الوباء حتى إن أهل البيت الواحد كانوا يموتون كلهم في ليلة واحدة .
واشتد الغلاء حتى حكي أن امرأة أكلت رغيفا بألف دينار ، فاستبعد ذلك ، فقيل : إنها باعت عروضا قيمتها ألف دينار بثلاثمائة دينار ، واشترت بها حنطة وحملها الحمال على ظهره ، فنهبت الحنطة في الطريق ، فنهبت هي مع الناس ، فكان الذي حصل لها ما عملته رغيفا واحدا .
وقطع
ناصر الدولة الطريق برا وبحرا ، فهلك العالم ، ومات أكثر أصحاب
[ ص: 242 ] المستنصر ، وتفرق كثير منهم ، فراسل
الأتراك من
القاهرة ناصر الدولة في الصلح ، فاصطلحوا على أن يكون
تاج الملوك شاذي نائبا عن
ناصر الدولة بالقاهرة ، يحمل المال إليه ، ولا يبقى معه لأحد حكم .
فلما دخل
تاج الملوك إلى
القاهرة تغير عن القاعدة ، واستبد بالأموال دون
ناصر الدولة ولم يرسل إليه منها شيئا ، فسار
ناصر الدولة إلى
الجيزة ، واستدعى إليه
شاذي وغيره من مقدمي
الأتراك ، فخرجوا إليه إلا أقلهم ، فقبض عليهم كلهم ، ونهب ناحيتي
مصر ، وأحرق كثيرا منهما ، فسير إليه
المستنصر عسكرا فكبسوه فانهزم منهم ومضى هاربا ، فجمع جمعا وعاد إليهم فقاتلهم فهزمهم ، وقطع خطبة
المستنصر بالإسكندرية ودمياط ، وكانا معه ، وكذلك جميع الريف ، وأرسل إلى الخليفة
ببغداذ يطلب خلعا ليخطب له
بمصر .
واضمحل أمر
المستنصر ، وبطل ذكره ، وتفرق الناس من
القاهرة وأرسل
ناصر الدولة إليه أيضا يطلب المال ، فرآه الرسول جالسا على حصير ، وليس حوله غير ثلاثة خدم ، ولم ير الرسول شيئا من آثار المملكة ، فلما أدى الرسالة قال : أما يكفي
ناصر الدولة أن أجلس في مثل هذا البيت على مثل هذا الحصير ؟ فبكى الرسول وعاد إلى
ناصر الدولة ، فأخبره الخبر فأجرى له كل يوم مائة دينار ، وعاد إلى
القاهرة ، وحكم فيها ، وأذل السلطان وأصحابه .
وكان الذي حمله على ذلك أنه كان يظهر التسنن من بين أهله ، ويعيب
المستنصر ، وكان
المغاربة كذلك فأعانوه على ما أراد ، وقبض على أم
المستنصر ، وصادرها بخمسين ألف دينار ، وتفرق عن
المستنصر أولاده وكثير من أهله إلى الغرب ، وغيره من البلاد ، فمات كثير منهم جوعا .
[ ص: 243 ] وانقضت سنة أربع وستين [ وأربعمائة ] وما قبلها بالفتن . وانحط السعر سنة خمس وستين ، ورخصت الأسعار ، وبالغ
ناصر الدولة في إهانة
المستنصر ، وفرق عنه عامة أصحابه ، وكان يقول لأحدهم : إنني أريد أن أوليك عمل كذا ، فيسير إليه فلا يمكنه من العمل ويمنعه من العود ، وكان غرضه بذلك ( أن يخطب ) للخليفة
nindex.php?page=showalam&ids=14932القائم بأمر الله ، ولا يمكنه مع وجودهم ، ففطن لفعله قائد كبير من
الأتراك اسمه
إلدكز ، وعلم أنه متى ما تم ما أراد تمكن منه ومن أصحابه ، فأطلع على ذلك غيره من قواد
الأتراك ، فاتفقوا على قتل
ناصر الدولة ، ( وكان قد أمن لقوته ، وعدم عدوه ) ، فتواعدوا ليلة على ذلك ، فلما كان سحر الليلة التي تواعدوا فيها على قتله جاءوا إلى باب داره ، وهي ( التي تعرف بمنازل العز ، وهي ) على النيل ، فدخلوا ، من غير استئذان إلى صحن داره ، فخرج إليهم
ناصر الدولة في رداء لأنه كان آمنا منهم ، فلما دنا منهم ضربوه بالسيوف ، فسبهم ، وهرب منهم ، يريد الحرم ، فلحقوه فضربوه حتى قتلوه ، وأخذوا رأسه .
ومضى رجل منهم ، يعرف
بكوكب الدولة ، إلى
فخر العرب ، أخي
ناصر الدولة ، وكان
فخر العرب كثير الإحسان إليه ، فقال للحاجب : استأذن لي على
فخر العرب ، وقل صنيعتك فلان على الباب ، فاستأذن له ، فأذن له وقال : لعله قد دهمه أمر . فلما دخل عليه أسرع نحوه كأنه يريد السلام عليه ، وضربه بالسيف على كتفه ، فسقط إلى الأرض ، فقطع رأسه ، وأخذ سيفه ، وكان ذا قيمة وافرة ، وأخذ جارية له أردفها خلفه ، وتوجه إلى
القاهرة ، وقتل أخوهما
تاج المعالي ، وانقطع