ذكر
تعذيب المستضعفين من المسلمين
وهم الذين سبقوا إلى الإسلام ، ولا عشائر لهم تمنعهم ، ولا قوة لهم يمنعون بها ، فأما من كانت له عشيرة تمنعه فلم يصل الكفار إليه ، فلما رأوا امتناع من له عشيرة ، وثبت كل قبيلة على من فيها من مستضعفي المسلمين ، فجعلوا يحبسونهم ويعذبونهم بالضرب والجوع والعطش ورمضاء
مكة والنار ليفتنوهم عن دينهم ، فمنهم من يفتتن من شدة البلاء وقلبه مطمئن بالإيمان ، ومنهم من يتصلب في دينه ويعصمه الله منهم .
فمنهم :
nindex.php?page=showalam&ids=115بلال بن رباح الحبشي مولى
أبي بكر ، وكان أبوه من سبي
الحبشة ، وأمه
حمامة سبية أيضا ، وهو من مولدي السراة ، وكنيته
أبو عبد الله ، فصار
بلال لأمية بن خلف الجمحي ، فكان إذا حميت الشمس وقت الظهيرة يلقيه في الرمضاء على وجهه وظهره ، ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتلقى على صدره ، ويقول : لا تزال هكذا حتى تموت ، أو تكفر
بمحمد وتعبد اللات والعزى ، فكان
ورقة بن نوفل يمر به وهو يعذب وهو يقول : أحد أحد . فيقول : أحد أحد والله يا
بلال . ثم يقول
لأمية : أحلف بالله لئن قتلتموه على هذا لأتخذنه حنانا . فرآه
أبو بكر يعذب فقال
لأمية بن خلف الجمحي : ألا تتقي الله في
[ ص: 664 ] هذا المسكين ؟ فقال : أنت أفسدته فأبعدته . فقال : عندي غلام على دينك أسود أجلد من هذا أعطيكه به . قال : قبلت . فأعطاه
أبو بكر غلامه وأخذ
بلالا فأعتقه ، فهاجر وشهد المشاهد كلها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم .
ومنهم :
عمار بن ياسر أبو اليقظان العنسي ، وهو بطن من
مراد -
وعنس هذا بالنون - أسلم هو وأبوه وأمه وأسلم قديما ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - في دار
nindex.php?page=showalam&ids=377الأرقم بن أبي الأرقم بعد بضعة وثلاثين رجلا ، أسلم هو
وصهيب في يوم واحد ، وكان
ياسر حليفا
لبني مخزوم ، فكانوا يخرجون
عمارا وأباه وأمه إلى
الأبطح إذا حميت الرمضاء يعذبونهم بحر الرمضاء ، فمر بهم النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1025826صبرا آل ياسر فإن موعدكم الجنة " . فمات
ياسر في العذاب ، وأغلظت امرأته
سمية القول
لأبي جهل ، فطعنها في قبلها بحربة في يديه فماتت ، وهي أول شهيد في الإسلام ، وشددوا العذاب على
عمار ، بالحر تارة ، وبوضع الصخر على صدره أخرى ، وبالتغريق أخرى فقالوا : لا نتركك حتى تسب
محمدا وتقول في اللات والعزى خيرا ، ففعل ، فتركوه فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - يبكي . فقال : ما وراءك ؟ قال : شر يا رسول الله ، كان الأمر كذا وكذا . قال فكيف تجد قلبك ؟ قال : أجده مطمئنا بالإيمان . فقال : يا
عمار فعد ، فأنزل الله تعالى : (
إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ) فشهد المشاهد كلها مع رسول الله
[ ص: 665 ] وقتل
بصفين مع
علي وقد جاوز التسعين ، قيل بثلاث ، وقيل بأربع سنين .
ومنهم :
nindex.php?page=showalam&ids=211خباب بن الأرت ، كان أبوه سواديا من
كسكر ، فسباه قوم من
ربيعة ، وحملوه إلى
مكة فباعوه من
سباع بن عبد العزى الخزاعي حليف
بني زهرة ،
وسباع هو الذي بارزه
حمزة يوم
أحد ،
وخباب تميمي ، وكان إسلامه قديما ، قيل : سادس ستة قبل دخول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دار
الأرقم ، فأخذه الكفار وعذبوه عذابا شديدا ، فكانوا يعرونه ويلصقون ظهره بالرمضاء ثم بالرضف ، وهي الحجارة المحماة بالنار ، ولووا رأسه ، فلم يجبهم إلى شيء مما أرادوا منه ، وهاجر وشهد المشاهد كلها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونزل
الكوفة ، ومات سنة ست وثلاثين .
ومنهم :
nindex.php?page=showalam&ids=52صهيب بن سنان الرومي ، ولم يكن روميا ، وإنما نسب إليهم لأنهم سبوه وباعوه ، وقيل : لأنه كان أحمر اللون ، وهو من
النمر بن قاسط ، كناه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
أبا يحيى قبل أن يولد له ، وكان ممن يعذب في الله ، فعذب عذابا شديدا . ولما أراد الهجرة منعته
قريش ، فافتدى نفسه منهم بماله أجمع ، وجعله
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب عند موته يصلي بالناس إلى أن يستخلف بعض أهل الشورى ، وتوفي
بالمدينة في شوال من سنة ثمان وثلاثين وعمره سبعون سنة .
وأما
عامر بن فهيرة ، فهو مولى
الطفيل بن عبد الله الأزدي ، وكان
الطفيل أخا
عائشة [ ص: 666 ] لأمها
أم رومان ، أسلم قديما قبل دخول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دار
الأرقم ، وكان من المستضعفين يعذب في الله ، فلم يرجع عن دينه ، واشتراه
أبو بكر وأعتقه ، فكان يرعى غنما له ، وكان يروح بغنم
أبي بكر إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وإلى
أبي بكر لما كانا في الغار ، وهاجر معهما إلى
المدينة يخدمهما ، وشهد
بدرا وأحدا ، واستشهد يوم
بئر معونة وله أربعون سنة . ولما طعن قال : فزت ورب
الكعبة ! ولم توجد جثته لتدفن مع القتلى ، فقيل : إن الملائكة دفنته .
ومنهم :
أبو فكيهة ، واسمه
أفلح ، وقيل
يسار ، وكان عبدا
nindex.php?page=showalam&ids=90لصفوان بن أمية بن خلف الجمحي ، أسلم مع
بلال ، فأخذه
أمية بن خلف وربط في رجله حبلا ، وأمر به فجر ثم ألقاه في الرمضاء ، ومر به جعل فقال له
أمية : أليس هذا ربك ؟ فقال : الله ربي وربك ورب هذا ، فخنقه خنقا شديدا ، ومعه أخوه
أبي بن خلف يقول : زده عذابا حتى يأتي
محمد فيخلصه بسحره ، ولم يزل على تلك الحال حتى ظنوا أنه قد مات ، ثم أفاق ، فمر به
أبو بكر فاشتراه وأعتقه .
وقيل : إن
بني عبد الدار كانوا يعذبونه ، وإنما كان مولى لهم ، وكانوا يضعون الصخرة على صدره حتى دلع لسانه فلم يرجع عن دينه ، وهاجر ومات قبل
بدر .
ومنهم :
لبينة جارية بني مؤمل بن حبيب بن عدي بن كعب ، أسلمت قبل إسلام
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب ، وكان
عمر يعذبها حتى تفتن ثم يدعها ، ويقول : إني لم أدعك إلا سآمة ، فتقول : كذلك يفعل الله بك إن لم تسلم ، فاشتراها
أبو بكر فأعتقها .
ومنهم :
زنيرة ، كانت
لبني عدي ، وكان
عمر يعذبها ، وقيل : كانت
لبني مخزوم ، وكان
أبو جهل يعذبها حتى عميت ، فقال لها : إن اللات والعزى فعلا بك . فقالت : وما
[ ص: 667 ] يدري اللات والعزى من يعبدهما ؟ ولكن هذا أمر من السماء وربي قادر على رد بصري ، فأصبحت من الغد وقد رد الله بصرها ، فقالت
قريش : هذا سحر
محمد ، فاشتراها
أبو بكر فأعتقها .
(
زنيرة بكسر الزاي ، وتشديد النون ، وتسكين الياء المثناة من تحتها ، وفتح الراء ) .
ومنهم :
النهدية ، مولاة لبني نهد ، فصارت لامرأة من
بني عبد الدار فأسلمت ، وكانت تعذبها وتقول : والله لا أقلعت عنك أو يبتاعك بعض أصحاب
محمد ، فابتاعها
أبو بكر فأعتقها .
ومنهم :
أم عبيس ، بالباء الموحدة ، وقيل : عنيس ، بالنون ، وهي أمة
لبني زهرة ، فكان
الأسود بن عبد يغوث يعذبها ، فابتاعها
أبو بكر فأعتقها .
وكان
أبو جهل يأتي الرجل الشريف ويقول له : أتترك دينك ودين أبيك وهو خير منك ! ويقبح رأيه وفعله ويسفه حلمه ويضع شرفه ، وإن كان تاجرا يقول : ستكسد تجارتك ويهلك مالك ، وإن كان ضعيفا أغرى به حتى يعذب .