ذكر
مسير المسلمين إلى الفرنج وما كان منهم
لما سمع
قوام الدولة كربوقا بحال
الفرنج ، وملكهم
أنطاكية ، جمع العساكر وسار إلى
الشام ، وأقام
بمرج دابق ، واجتمعت معه عساكر
الشام ، تركها وعربها سوى من كان
بحلب ، فاجتمع معه
nindex.php?page=showalam&ids=15867دقاق بن تتش nindex.php?page=showalam&ids=16252وطغتكين أتابك ،
وجناح الدولة ، وصاحب
حمص ،
وأرسلان تاش ، صاحب
سنجار ،
وسليمان بن أرتق ، وغيرهم من الأمراء ممن ليس مثلهم ، فلما سمعت
الفرنج عظمت المصيبة عليهم ، وخافوا لما هم فيه من الوهن ، وقلة الأقوات عندهم ، وسار المسلمون ، فنازلوهم على
أنطاكية ، وأساء كربوقا السيرة ، فيمن معه من المسلمين ، وأغضب الأمراء وتكبر عليهم ظنا منه أنهم يقيمون معه على هذه الحال ، فأغضبهم ذلك ، وأضمروا له في أنفسهم الغدر ، إذا كان قتال ، وعزموا على إسلامه عند المصدوقة .
وأقام
الفرنج بأنطاكية ، بعد أن ملكوها ، اثني عشر يوما ليس لهم ما يأكلونه ، وتقوت الأقوياء بدوابهم ، والضعفاء بالميتة وورق الشجر ، فلما رأوا ذلك أرسلوا إلى
[ ص: 419 ] كربوقا يطلبون منه الأمان ليخرجوا من البلد ، فلم يعطهم ما طلبوه ، وقال : لا تخرجون إلا بالسيف .
وكان معهم من الملوك
بردويل ،
وصنجيل ،
وكندفري ،
والقمص ، صاحب
الرها وبيمنت ، صاحب
أنطاكية ، وهو المقدم عليهم وكان معهم راهب مطاع فيهم ، وكان داهية من الرجال ، فقال لهم : إن المسيح ، عليه السلام ، كان له حربة مدفونة بالقسيان الذي
بأنطاكية ، وهو بناء عظيم ، فإن وجدتموها فإنكم تظفرون ، وإن لم تجدوها فالهلاك متحقق .
وكان قد دفن قبل ذلك حربة في مكان فيه ، وعفى أثرها ، وأمرهم بالصوم والتوبة ، ففعلوا ذلك ثلاثة أيام ، فلما كان اليوم الرابع أدخلهم الموضع جميعهم ، ومعهم عامتهم ، والصناع منهم ، وحفروا في جميع الأماكن فوجدوها كما ذكر ، فقال لهم : أبشروا بالظفر ، فخرجوا في اليوم الخامس من الباب متفرقين من خمسة ، وستة ، ونحو ذلك ، فقال المسلمون
لكربوقا : ينبغي أن تقف على الباب ، فتقتل كل من يخرج ، فإن أمرهم الآن ، وهم متفرقون ، سهل فقال لا تفعلوا ! أمهلوهم حتى يتكامل خروجهم فنقتلهم ، ولم يمكن من معاجلتهم ، فقتل قوم من المسلمين جماعة من الخارجين ، فجاء إليهم هو بنفسه ، ومنعهم ، ونهاهم .
فلما تكامل خروج
الفرنج ، ولم يبق
بأنطاكية أحد منهم ، ضربوا مصافا عظيما ، فولى المسلمون منهزمين ، لما عاملهم به
كربوقا أولا من الاستهانة بهم والإعراض عنهم ، وثانيا من منعهم عن قتل
الفرنج ، وتمت الهزيمة عليهم ولم يضرب أحد منهم بسيف ، ولا طعن برمح ، ولا رمى بسهم ، وآخر من انهزم
nindex.php?page=showalam&ids=16195سقمان بن أرتق ،
وجناح الدولة ، لأنهما كانا في الكمين ، وانهزم
كربوقا معهم . فلما رأى
الفرنج ذلك ظنوه مكيدة ، إذ لم يجر قتال ينهزم من مثله ، وخافوا أن يتبعوهم ، وثبت جماعة من المجاهدين ، وقاتلوا حسبة ، وطلبا للشهادة ، فقتل
الفرنج منهم ألوفا ، وغنموا ما في
[ ص: 420 ] العسكر من الأقوات والأموال والأثاث والدواب والأسلحة ، فصلحت حالهم ، وعادت إليهم قوتهم .