[ ص: 441 ] 494
ذكر
الحرب بين السلطانين بركيارق ومحمد وقتل مؤيد الملك
في هذه السنة ، ثالث جمادى الآخرة ، كان المصاف الثاني بين السلطان
بركيارق والسلطان محمد ، وقد ذكرنا سنة ثلاث وتسعين [ وأربعمائة ] انهزام السلطان
بركيارق من أخيه
السلطان محمد ، وتنقله في البلاد ، إلى
أصبهان . وأنه لم يدخلها ، وسار منها إلى
خوزستان ، وأتى عسكر مكرم ، فأتاه الأميران
زنكي وألبكي ابنا
برسق ، وصارا معه ، وأقام بها شهرين ، وسار منها إلى
همذان ، فاتصل به
الأمير إياز .
وكان سبب ذلك أن أمير آخر قد مات مذ قريب ، فاتهم
إياز مؤيد الملك بأنه سقاه السم ، وقوى ذلك عنده أن وزير أمير آخر هرب عقيب موته ، فازداد ظن إياز باتهامه ، فظفر بالوزير فقتله . وكان إياز قد اتخذه أمير آخر ولدا ، واتصل به العسكر ، ووصى له بجميع ماله ، فحين استوحش لهذا السبب كاتب السلطان
بركيارق ، واتصل به ، ومعه خمسة آلاف فارس ، وصار من جملة عسكره .
وسار
السلطان محمد إلى لقاء أخيه ، فلما تقارب العسكران استأمن
الأمير سرخاب بن كيخسرو ، صاحب آوة ، إلى السلطان
بركيارق ، فأكرمه ، ووقع المصاف ثالث جمادى الآخرة ، وكان مع السلطان
بركيارق خمسون ألفا ، ومع أخيه السلطان
[ ص: 442 ] محمد خمسة عشر ألفا ، فالتقوا ، فاقتتلوا يومهم أجمع ، وكان النفر يستأمنون من عسكر
محمد إلى
بركيارق ، فيحسن إليهم .
ومن العجب الدال على الظفر أن رجالة
بركيارق احتاجوا إلى تراس ، فوصل إليه يوم المصاف بكرة اثنا عشرة حملا من همذان منها ثمانية أحمال تراس ، ففرقت فيهم ، فلما وصلت نزل السلطان
بركيارق ، وصلى ركعتين شكرا لله تعالى .
ولم يزل القتال إلى آخر النهار ، فانهزم
السلطان محمد وعسكره وأسر
مؤيد الملك ، أسره غلام
لمجد الملك البلاساني وأحضر عند السلطان
بركيارق ، فسبه ، وأوقفه على ما اعتمده معه من سب والدته مرة ، ونسبته إلى مذهب
الباطنية أخرى ، ومن حمل أخيه
محمد على عصيانه ، والخروج عن طاعته إلى غير ذلك ،
ومؤيد الملك ساكت لا يعيد كلمة ، فقتله
بركيارق بيده ، وألقي على الأرض عدة أيام حتى سأل
الأمير إياز في دفنه ، فأذن فيه ، فحمل إلى تربة أبيه
بأصبهان فدفن معه .
وكان بخيلا ، سيئ السيرة مع الأمراء ، إلا أنه كان كثير المكر والحيل في إصلاح أمر الملك ، وكان عمره لما قتل نحو خمسين سنة .
وكان السلطان
بركيارق قد استوزر في صفر
الأعز أبا المحاسن عبد الجليل بن الدهستاني ، فلما قتل
مؤيد الملك أرسل الوزير
أبو المحاسن رسولا إلى
بغداذ ، وهو
أبو إبراهيم الأسداباذي ، لأخذ أموال
مؤيد الملك ، فنزل
ببغداذ بدار
مؤيد الملك ، وسلم إليه
محمد الشرابي ، وهو ابن خالة
مؤيد الملك ، فأخذت منه الأموال والجواهر بعد مكروه أصابه ، وعذاب ناله ، وأخذ له ذخائر من مواضع أخر ببلاد العجم منها : قطعة بلخش ، وزنها واحد وأربعون مثقالا .
ولما فرغ السلطان
بركيارق من هذه الوقعة سار إلى
الري ، فوصل إليه هناك
قوام الدولة كربوقا ، صاحب
الموصل ،
ونور الدولة دبيس بن صدقة بن مزيد .