ذكر
حصار السلطان محمد بأصبهان
لما انهزم
السلطان محمد من الوقعة التي ذكرناها
بالري ، مضى إلى
أصبهان في سبعين فارسا ، والبلد في حكمه ، وفيه نائبه ، ومعه من الأمراء الأمير
ينال ، وغيره من الأمراء ، ودخل المدينة في ربيع الأول ، وأمر بتجديد ما تشعث من السور ، وهذا السور هو الذي بناه
علاء الدولة بن كاكويه سنة تسع وعشرين وأربعمائة ، عند خوفه من
طغرلبك ، وأمر
محمد بتعميق الخندق حتى صعد الماء فيه ، وسلم إلى كل أمير بابا ، ، وكان معه في البلد ألف ومائة فارس وخمسمائة راجل ، ونصب المجانيق .
ولما علم
nindex.php?page=showalam&ids=15525السلطان بركيارق بمسير أخيه
محمد إلى
أصبهان سار يتبعه ، فوصلها في جمادى الأولى ، وعساكره كثيرة ، تزيد على خمسة عشر ألف فارس ، ومعها مائة ألف من الحواشي ، وأقام يحاصر البلد ، وضيق عليه .
وكان
السلطان محمد يدور كل ليلة على سور البلد ثلاث دفعات ، فلما زاد الأمر في الحصار ، أخرج الضعفاء والفقراء من البلد حتى خلت المحال ، وعدمت الأقوات ، وأكل الناس الخيل ، والجمال ، وغير ذلك ، وقلت الأموال فاضطر
السلطان محمد إلى أن يستقرض من أعيان البلد فأخذ مالا عظيما ، ثم عاود الجند الطلب ، فقسط على أهل البلد شيئا آخر ، وأخذه منهم بالشدة والعنف ، فلم تزل الأسعار تغلو ، حتى بلغ عشرة أمنان من الحنطة بدينار ، وأربعة أرطال لحما بدينار ، وكل مائة رطل تبنا بأربعة دنانير ، ورخصت الأمتعة وهانت لعدم الطالب .
وكانت الأسعار ، في عسكر
بركيارق ، رخيصة ، فبقي الحصار على البلد إلى عاشر
[ ص: 466 ] ذي الحجة ، فلما رأى
السلطان محمد أنه لا قدرة له على الدفع عن البلد ، وكلما جاء أمره يضعف ، قوى عزمه على مفارقته وقصد جهة أخرى ، يجمع فيها العساكر ، ويعود يدفع الخصم عن الحصار ، فسار عن البلد في مائة وخمسين فارسا ، ومعه الأمير
ينال ، واستخلف بالبلد جماعة من الأمراء الكبار في باقي العسكر ، فلما فارق العسكر والبلد لم يكن في دوابهم ما يدوم على السير لقلة العلف في الحصار ، فنزل على ستة فراسخ .
فلما سمع
بركيارق بمسيره سير وراءه
الأمير إياز في عسكر كثير ، وأمره بالجد في السير في طلبه ، فقيل : إن
محمدا سبقهم ، فلم يدركوه ، فرجعوا ، وقيل : بل أدركوه ، فأرسل إلى
الأمير إياز يقول : أنت تعلم أنني لي في رقبتك عهود وأيمان ما نقضت ، ولم يكن مني إليك ما تبالغ في أذاي . فعاد عنه ، وأرسل له خيلا ، وأخذ علمه ، والجتر ، وثلاثة أحمال دنانير ، وعاد إلى
بركيارق ، فدخل إليه ، وأعلام أخيه
السلطان محمد منكوسة ، فأنكر
بركيارق ذلك ، وقال : إن كان قد أساء ، فلا ينبغي أن يعتمد معه هذا ، فأخبره الخبر ، فاستحسن ذلك منه .
فلما فارق
محمد أصبهان اجتمع من المفسدين ، والسوادية ، ومن يريد النهب ، ما يزيد على مائة ألف نفس ، وزحفوا إلى البلد بالسلاليم ، والدبابات ، وطموا الخندق بالتبن ، والتصقوا بالسور ، وصعد الناس في السلاليم فقاتلهم أهل البلد قتال من يريد أن يحمي حريمه وماله ، فعادوا خائبين ، فحينئذ أشار الأمراء على
بركيارق بالرحيل ، فرحل ثامن عشر ذي الحجة من السنة ، واستخلف على البلد القديم ، الذي يقال له
شهرستان ، ترشك الصوابي في ألف فارس مع ابنه
ملكشاه ، وسار إلى
همذان ، وكان هذا من أعجب ما سطر أن سلطانا محصورا قد تقطعت مواده ، وهو يخطب له في أكثر البلاد ، ثم يخلص من الحصر الشديد ، وينجو من العساكر الكثيرة التي كلها قد شرع إليه وفوق إليه سهمه .