ذكر
قتل قدرخان صاحب سمرقند
قد ذكرنا قبل قدوم الملك
سنجر مع أخيه
السلطان محمد إلى
بغداذ وعوده إلى
خراسان ، فلما وصل إلى
نيسابور خطب لأخيه
محمد بخراسان جميعها ، ولما كان
ببغداذ طمع
قدرخان جبريل بن عمر ، صاحب
سمرقند ، في
خراسان لبعده عنها ، وجمع عساكر تملأ الأرض ، قيل : كانوا مائة ألف مقاتل فيهم مسلمون وكفار ، وقصد بلاد
سنجر .
وكان أمير من أمراء
سنجر ، اسمه
كندغدي ، قد كاتب
قدرخان بالأخبار ، وأعلمه مرض
سنجر ، بعد عوده إلى بلاده ، وأنه قد أشفى على الهلاك ، وقوى طمعه بالاختلاف الواقع بين السلطانين
بركيارق ومحمد ، وبشدة عداوة
بركيارق لسنجر ، وأشار عليه
[ ص: 477 ] بالسرعة مهما الاختلاف واقع وأنه متى أسرع ملك
خراسان والعراق . فبادر
قدرخان وأقدم ، وقصد البلاد ، فبلغ السلطان
سنجر الخبر ، وكان قد عوفي ، فبادر وسار نحوه قاصدا قتاله ومنعه عن البلاد ، وكان من جملة من معه
كندغدي المذكور ، وهو لا يتهمه بشيء مما فعل ، فوصل إلى
بلخ في ستة آلاف فارس ، فبقي بينه وبين
قدرخان نحو خمسة أيام ، فهرب
كندغدي إلى
قدرخان ، وحلف كل واحد منهما لصاحبه على الاتفاق والمناصحة ، وسار من عنده إلى
ترمذ ، فملكها ، وكان الباعث
للكندغدي على ما فعل ( حسده
للأمير ) بزغش على منزلته .
ثم تقدم
قدرخان ، لما تدانى العسكران أرسل
سنجر يذكر
قدرخان العهود والمواثيق القديمة ، فلم يصغ إلى قوله ، وأذكى
سنجر العيون والجواسيس على
قدرخان ، فكان لا يخفى عنه شيء من خبره ، فأتاه من أخبره أنه نزل بالقرب من
بلخ ، وأنه خرج متصيدا في ثلاثمائة فارس ، فندب
سنجر ، عند ذلك ،
الأمير بزغش لقصده ، فسار إليه ، فلحقه وهو على تلك الحال ، فقاتله ، فلم يصبر من مع
قدرخان ، فانهزموا ، وأسر
كندغدي وقدرخان ، وأحضرهما عند
سنجر ، فأما
قدرخان فإنه قبل الأرض واعتذر ، فقال له
سنجر : إن خدمتنا ، أو لم تخدمنا ، فما جزاؤك إلا السيف ، ثم أمر به فقتل .
فلما سمع
كندغدي الخبر نجا بنفسه ، ونزل في قناة ، ومشى فيها فرسخين تحت الأرض ، على ما به من النقرس ، وقتل فيها حيتين عظيمتين ، وسبق أصحابه إلى مخرجها ، وسار منها في ثلاثمائة فارس إلى
غزنة .
وقيل : بل جمع
سنجر عساكر كثيرة ، والتقى هو
وقدرخان ، ( وجرى بينهما مصاف ، وقتال عظيم ، أكثر فيه القتل فيهم ، فانهزم
قدرخان ) وعسكره ، وحمل أسيرا إلى
سنجر ، فقتله ، وحصر
ترمذ ، وبها
كندغدي ، فطلب الأمان ، فأمنه
سنجر ، ونزل إليه ، وسلم
ترمذ ، فأمره
سنجر بمفارقة بلاده ، فسار إلى غزنة ، فلما وصل إليها أكرمه صاحبها علاء الدولة ، وحل عنده المحل الكبير .
[ ص: 478 ] واتفق أن صاحب
غزنة عزم على قصد
أوتان ، وهي جبال منيعة ، على أربعين فرسخا من
غزنة ، وقد عصى عليه فيها قوم ، وتحصنوا بمعاقلها ، ووعور مسالكها ، فقاتلهم عسكر
علاء الدولة ، فلم يظفروا منهم بطائل ، فتقدم
كندغدي منفردا عنهم فأبلى بلاء حسنا ، ونصر عليهم ، وأخذ غنائمهم ، وحملها إلى
علاء الدولة ، فلم يقبل منها شيئا ، ووفرها عليه ، فغضب العسكر ، وحسدوه على ذلك ، وعلى قربه من صاحبهم ، ونفاقه عليه ، فأشاروا بقبضه ، وقالوا : إنا لا نأمن أن يقصد بعض الأماكن فيفعل في أمر الدولة ما لا يمكن تلافيه . فقال : قد تحققت قصدكم ، ولكن بمن أقبض عليه ؟ فإني أخاف أن آمركم بالقبض عليه ، فينالكم منه ما تفتضحون به ، فقالوا : الصواب أن توليه ولاية ويقبض عليه إذا سار إليها . فولاه حصنين جرت عادته أن يسجن فيهما من يخاف جانبه ، فسار إليهما .
فلما قاربهما عرف ما يراد منه ، فأحرق جميع ماله ، ونحو جماله ، وسار جريدة ، وكان في مدة مقامه
بغزنة يسأل عن الطرق وتشعبها ، فإنه ندم على قصد تلك الجهة ، فلما سار سأل راعيا عن الطريق التي يريدها ، فدله ، فأخذه معه خوفا أن يكون قد غره ، ولم يزل سائرا إلى أن وصل إلى قريب
هراة ، فمات هناك ، وهو من مماليك
nindex.php?page=showalam&ids=15591تتش بن ألب أرسلان الذي كحله أخوه
ملكشاه ، وسجنه
بتكريت ، وقد تقدم ذكر حادثته .