ذكر
أخبار الفرنج بالشام
كان
الأفضل أمير الجيوش
بمصر قد أنفذ مملوكا لأبيه ، لقبه
سعد الدولة ، ويعرف بالطواشي ، إلى
الشام لحرب
الفرنج ، فلقيهم بين
الرملة ويافا ، ومقدم
الفرنج يعرف
ببغدوين ، لعنه الله تعالى ، وتصافوا واقتتلوا ، فحملت
الفرنج حملة صادقة ، فانهزم المسلمون .
وكان المنجمون يقولون
لسعد الدولة : إنك تموت مترديا ، فكان يحذر من ركوب الخيل ، حتى إنه ولي
بيروت وأرضها مفروشة بالبلاط ، فقلعه خوفا أن يزلق به فرسه ، أو يعثر ، فلم ينفعه الحذر عند نزول القدر ، فلما كانت هذه الوقعة انهزم ، فتردى به فرسه ، فسقط ميتا ، وملك
الفرنج خيمه وجميع ما للمسلمين .
فأرسل
الأفضل بعده ابنه
شرف المعالي في جمع كثير ، فالتقوا هم
والفرنج بيازوز ، بقرب
الرملة ، فانهزم
الفرنج ، وقتل منهم مقتلة عظيمة ، وعاد من سلم منهم مغلولين ، فلما رأى بغدوين شدة الأمر ، وخاف القتل والأسر ، ألقى نفسه في الحشيش واختفى فيه ، فلما أبعد المسلمون خرج منه إلى
الرملة . وسار
شرف المعالي بن الأفضل من المعركة ، ونزل على قصر
بالرملة ، وبه سبعمائة من أعيان
الفرنج ، وفيهم
بغدوين ، فخرج متخفيا إلى
يافا ، وقاتل
ابن الأفضل من بقي خمسة عشر يوما ، ثم أخذهم ، فقتل منهم أربعمائة صبرا ، وأسر ثلاثمائة إلى
مصر .
ثم اختلف أصحابه في مقصدهم ، فقال قوم : نقصد
البيت المقدس ونتملكه ، وقال قوم : نقصد
يافا ونملكها .
[ ص: 490 ] فبينما هم في هذا الاختلاف ، إذ وصل إلى
الفرنج خلق كثير في البحر ، قاصدين زيارة
البيت المقدس ، فندبهم بغدوين للغزو معه ، فساروا إلى
عسقلان ، وبها
شرف المعالي ، فلم يكن يقوى بحربهم ، فلطف الله تعالى بالمسلمين ، فرأى
الفرنج البحرية حصانة
عسقلان ، وخافوا البيات ، فرحلوا إلى
يافا ، وعاد ولد
الأفضل إلى أبيه ، فسير رجلا يقال له
تاج العجم في البر ، وهو من أكبر مماليك أبيه ، وجهز معه أربعة آلاف فارس ، وسير في البحر رجلا يقال له
القاضي ابن قادوس ، في الأسطول ، فنزل الأسطول على
يافا ، ونزل
تاج العجم على
عسقلان ، فاستدعاه
ابن قادوس إليه ليتفقا على حرب
الفرنج ، فقال
تاج العجم : ما يمكنني أن أنزل إليك إلا بأمر
الأفضل ، ولم يحضر عنده ، ولا أعانه ، فأرسل
القادوسي إلى قاضي
عسقلان ، وشهودها ، وأعيانها ، وأخذ خطوطهم بأنه أقام على
يافا عشرين يوما ، واستدعى
تاج العجم ، فلم يأته ، ولا أرسل رجلا ، فلما وقف
الأفضل على الحال أرسل من قبض على
تاج العجم ، وأرسل رجلا ، لقبه
جمال الملك ، فأسكنه
عسقلان ، وجعله متقدم العساكر الشامية .
وخرجت هذه السنة وبيد
الفرنج ، لعنهم الله ،
البيت المقدس ،
وفلسطين ، ما عدا
عسقلان ، ولهم أيضا
يافا ،
وأرسوف ،
وقيسارية ،
وحيفا ،
وطبرية ،
واللاذقية ،
وأنطاكية ، ولهم
بالجزيرة الرها ،
وسروج .
وكان
صنجيل يحاصر مدينة
طرابلس الشام ، والمواد تأتيها ، وبها
فخر الملك بن عمار ، وكان يرسل أصحابه في المراكب يغيرون على البلاد التي بيد
الفرنج ، ويقتلون من وجدوا ، وقصد بذلك أن يخلو السواد ممن يزرع لتقل المواد من
الفرنج فيرحلوا عنه .