صفحة جزء
ذكر قتل قلج أرسلان وملك جاولي الموصل

قد ذكرنا أن قلج أرسلان لما وصل إلى نصيبين سار جاولي عن الموصل إلى [ ص: 540 ] سنجار ، ثم إلى الرحبة ، فوصلها في رجب ، وحصرها إلى الرابع والعشرين من شهر رمضان ، وكان صاحبها يعرف بمحمد بن السباق ، وهو من بني شيبان ، رتبه بها الملك دقاق لما فتحها ، وأخذ ولده رهينة ، وحمله معه إلى دمشق ، فلما توفي أرسل هذا الشيباني قوما سرقوا ولده وحملوه إليه ، فلما وصل إليه خلع الطاعة للدمشقيين ، وخطب في بعض الأوقات لقلج أرسلان . فلما وصل إليها جاولي وحصرها ، أرسل إلى الملك رضوان يعرفه أنه على الاجتماع به ومساعدته على من يحاربه ، ويشرط عليه أنه إذا تسلم البلاد سار معه ليكشف الفرنج عن بلاده ، فلما استقرت القاعدة بينهما حضر عنده رضوان ، فاشتد الحصار على أهل البلد ، وضاقت عليهم الأمور .

واتفق جماعة كانوا بأحد الأبراج ، وأرسلوا إلى جاولي ، واستحلفوه على حفظهم وحراستهم ، وأمروه أن يقصد البرج الذي هم فيه عند انتصاف الليل ، ففعل ذلك ، فرفع من في البرج أصحابه إليهم في الحبال ، فضربوا بوقاتهم وطبولهم ، فخذل من في البلد ، ودخل أصحاب جاولي في اليوم الرابع والعشرين من شهر رمضان ، ونهبوه إلى الظهر ، ثم أمر برفع النهب ، ونزل إليه محمد الشيباني صاحب البلد ، وأطاعه ، وصار معه .

ثم إن قلج أرسلان لما فرغ من أمر الموصل سار عنها إلى جاولي سقاوو ليحاربه ، وجعل ابنه ملكشاه في دار الإمارة ، وعمره إحدى عشرة سنة ، ومعه أمير يدبره ، وجماعة من العسكر ، وكانت عدة عسكره أربعة آلاف فارس بالعدة الكاملة والخيل الجيدة .

وسمع العسكر بقوة جاولي ، فاختلفوا ، وكان أول من خالف عليه إبراهيم بن ينال ، صاحب آمد ، فإنه فارق خيامه وأثقاله وعاد من الخابور إلى بلده ، وكذلك غيره ، وعمل قلج أرسلان على المطاولة لما بلغه من قوة جاولي وكثرة جموعه ، وأرسل إلى بلاده يطلب عسكره لأنها كانت عند ملك الروم نجدة له على قتال الفرنج ، كما ذكرناه ، فلما وصل إلى الخابور بلغت عدته خمسة آلاف . وكان مع جاولي أربعة آلاف ، من جملتهم الملك رضوان ، وجماعة من عسكره ، إلا أن شجعانه أكثر ، واغتنم جاولي قلة عسكر قلج أرسلان ، فقاتله قبل وصول عساكره إليه ، فالتقوا في العشرين من ذي القعدة ، فحمل قلج أرسلان على القوم بنفسه ، حتى خالطهم ، فضرب يد صاحب العلم فأبانها ، ووصل إلى جاولي بنفسه ، فضربه بالسيف ، [ ص: 541 ] فقطع الكزاغند ولم يصل إلى بدنه ، وحمل أصحاب جاولي على أصحابه فهزموهم ، واستباحوا ثقلهم وسوادهم . فلما رأى قلج أرسلان انهزام عسكره علم أنه إن أسر فعل به فعل من لم يترك للصلح موضعا ، لا سيما وقد نازع السلطان في بلاده ، واسم السلطنة ، فألقى نفسه في الخابور ، وحمى نفسه ، من أصحاب جاولي بالنشاب ، فانحدر به الفرس إلى ماء عميق فغرق ، وظهر بعد عدة أيام فدفن بالشمسانية وهي من قرى الخابور .

وسار جاولي إلى الموصل ، فلما وصل إليها فتح أهلها له بابها ، ولم يتمكن من بها من أصحاب قلج أرسلان من منعهم ، ونزل بظاهر البلد ، وأخذ كل واحد من أصحاب جكرمش الذين حضروا الوقعة مع قلج أرسلان إلى جهة ، فلما ملك جاولي الموصل أعاد خطبة السلطان محمد ، وصادر جماعة من بها من أصحاب جكرمش ، وسار إلى جزيرة ابن عمر ، وبها حبشي بن جكرمش ، ومعه أمير من غلمان أبيه اسمه غزغلي ، فحصره مدة ، ثم إنهم صالحوه ، وحملوا إليه ستة آلاف دينار ، وغيرها من الدواب والثياب ، ورحل عنهم إلى الموصل ، وأرسل ملكشاه بن قلج أرسلان إلى السلطان محمد .

التالي السابق


الخدمات العلمية