[ ص: 549 ] 501
ثم دخلت سنة إحدى وخمسمائة
ذكر
قتل صدقة بن مزيد
في هذه السنة ، في رجب ، قتل
nindex.php?page=showalam&ids=15862الأمير سيف الدولة صدقة بن منصور بن دبيس بن مزيد الأسدي ، أمير العرب ، وهو الذي بنى
الحلة السيفية بالعراق ، وكان قد عظم شأنه ، وعلا قدره ، واتسع جاهه ، واستجار به صغار الناس وكبارهم ، فأجارهم .
وكان كثير العناية بأمور
السلطان محمد ، ، والتقوية ليده ، والشد منه على أخيه
بركيارق ، حتى إنه جاهر
بركيارق بالعداوة ، ولم يبرح على مصافاة
السلطان محمد ، وزاده
محمد إقطاعا من جملته مدينة
واسط ، وأذن له في أخذ
البصرة ، ثم أفسد ما بينهما
العميد أبو جعفر محمد بن الحسين البلخي ، وقال في جملة ما قال عنه : إن
صدقة قد عظم أمره ، وزاد حاله ، وكثر إدلاله ، ويبسط في الدولة حمايته على كل من يفر إليه من عند السلطان ، وهذا لا تحتمله الملوك لأولادهم ، ولو أرسلت بعض أصحابك لملك بلاده وأمواله .
ثم إنه تعدى ذلك حتى طعن في اعتقاده ، ونسبه وأهل بلده إلى مذهب
الباطنية ، وكذب ، وإنما كان مذهبه التشيع لا غير ، ووافق
أرغون السعدي أبا جعفر العميد وانتهى ذلك إلى
صدقة ، وكانت زوجة
أرغون بالحلة وأهله ، فلم يؤاخذهم بشيء مما كان له أيضا هناك [ من ] بقايا خراج ببلده ، فأمر
صدقة أن يخلص ذلك إليه بأجمعه ويسلم إلى زوجته .
[ ص: 550 ] وأما سبب قتله فإن
صدقة كان ، كما ذكرنا ، يستجير به كل خائف من خليفة وسلطان وغيرهما ، وكان
السلطان محمد قد سخط على
أبي دلف سرخاب بن كيخسرو ، صاحب
ساوة وآبة ، فهرب منه وقصد
صدقة فاستجار به ، فأجاره ، فأرسل السلطان يطلب من
صدقة أن يسلمه إلى نوابه ، فلم يفعل ، وأجاب : إنني لا أمكن منه بل أحامي عنه ، وأقول ما قاله
أبو طالب لقريش لما طلبوا منه رسول الله ، صلى الله عليه وسلم :
ونسلمه ، حتى نصرع حوله ونذهل عن أبنائنا والحلائل
وظهر منه أمور أنكرها السلطان ، فتوجه إلى
العراق ليتلافى هذا الأمر ، فلما سمع
صدقة استشار أصحابه في الذي يفعله ، فأشار عليه ابنه
دبيس بأن ينفذه إلى السلطان ومعه الأموال ، والخيل ، والتحف ، ليستعطف له السلطان ، وأشار
سعيد بن حميد ، صاحب جيش
صدقة ، بالمحاربة ، وجمع الجند ، وتفريق المال فيهم ، واستطال في القول ، فمال
صدقة إلى قوله ، وجمع العساكر ، واجتمع إليه عشرون ألف فارس ، وثلاثون ألف راجل ، فأرسل إليه
nindex.php?page=showalam&ids=15221المستظهر بالله يحذره عاقبة أمره ، وينهاه عن الخروج عن طاعة السلطان ، ويعرض له توسط الحال ، فأجاب
صدقة : إنني على طاعة السلطان ، لكن لا آمن على نفسي في الاجتماع به ، وكان الرسول بذلك عن الخليفة نقيب النقباء
nindex.php?page=showalam&ids=13317علي بن طراد الزينبي .
ثم أرسل السلطان أقضى القضاة
أبا سعيد الهروي إلى
صدقة يطيب قلبه ، ويزيل خوفه ، ويأمره بالانبساط على عادته ، ويعرفه عزمه على قصد
الفرنج ، ويأمره بالتجهز للغزاة معه ، فأجاب : إن السلطان قد أفسد أصحابه قلبه علي ، وغيروا حالي معه ، وزال ما كان عليه في حقي من الإنعام ، وذكر سالف خدمته ومناصحته ، وقال
سعيد بن حميد ، صاحب جيشه : لم يبق لنا في صلح السلطان مطمع ، ولترون خيولنا بحلوان ، وامتنع
صدقة من الاجتماع بالسلطان .
ووصل السلطان إلى
بغداذ في العشرين من ربيع الآخر ، ومعه وزيره
نظام الملك أحمد بن نظام الملك ، وسير
البرسقي ، شحنة
بغداذ ، في جماعة من الأمراء إلى
صرصر ، فنزلوا عليها .
[ ص: 551 ] وكان وصول السلطان ، جريدة ، لا يبلغ عسكره ألفي فارس ، فلما تيقن
ببغداذ مكاشفة
صدقة ، أرسل إلى الأمراء يأمرهم بالوصول إليه ، والجد في السير ، وتعجيل ذلك ، فوردوا إليه من كل جانب .
ثم وصل كتاب
صدقة إلى الخليفة ، في جمادى الأولى ، يذكر أنه واقف عند ما يرسم له ويقرر من حاله مع السلطان ، ومهما أمرته من ذلك امتثله ، فأنفذ الخليفة الكتاب إلى السلطان ، فقال السلطان : أنا ممتثل ما يأمر به الخليفة ، ولا مخالفة عندي ، فأرسل الخليفة إلى
صدقة يعرفه إجابة السلطان إلى ما طلب منه ، ويأمره بإنفاذ ثقته ليستوثق له ، ويحلف السلطان على ما يقع الاتفاق عليه . فعاد (
صدقة عن ذلك الرأي ، وقال : إذا رحل السلطان عن
بغداذ ) أمددته بالمال والرجال ، وما يحتاج إليه في الجهاد ، وأما الآن وهو
ببغداذ ، وعسكره بنهر الملك ، فما عندي مال ولا غيره ، وإن
جاولي سقاوو ،
nindex.php?page=showalam&ids=12445وإيلغازي بن أرتق ، قد أرسلا إلي بالطاعة لي والموافقة معي على محاربة السلطان وغيره ، ومتى أردتهما وصلا إلي ( في عساكرهما .
وورد إلى )
السلطان قرواش بن شرف الدولة ،
وكرماوي بن خراسان التركماني ،
وأبو عمران فضل بن ربيعة بن حازم بن الجراح الطائي ، وآباؤه كانوا أصحاب
البلقاء والبيت المقدس منهم :
حسان بن المفرج الذي مدحه
التهامي ، وكان فضل تارة مع
الفرنج ، وتارة مع
المصريين ، فلما رآه
nindex.php?page=showalam&ids=16252طغتكين أتابك على هذه الحال طرده من
الشام ، فلما طرده التجأ إلى
صدقة وعاقده ، فأكرمه
صدقة ، وأهدى له هدايا كثيرة منها سبعة آلاف دينار عينا .
فلما كانت هذه الحادثة بين
صدقة والسلطان سار في الطلائع ، ثم هرب إلى السلطان ، فلما وصل خلع عليه وعلى أصحابه ، وأنزله بدار
صدقة ببغداذ ، فلما سار السلطان إلى قتال
صدقة استأذنه فضل في إتيان البرية ليمنع
صدقة من الهرب إن أراد ذلك ، فأذن له ، فعبر
بالأنبار وكان آخر العهد به .
وأنفذ السلطان في جمادى الأولى إلى
واسط الأمير محمد بن بوقا التركماني ، فأخرج عنها نائب
صدقة ، وأمن الناس كلهم ، إلا أصحاب
صدقة ، فتفرقوا ، ولم ينهب
[ ص: 552 ] أحد ، وأنفذ خيله إلى بلد
قوسان ، وهو من أعمال
صدقة ، فنهبه أقبح نهب ، وأقام عدة أيام ، فأرسل
صدقة إليه
ثابت بن سلطان ، وهو ابن عم
صدقة ، ومعه عسكر ، فلما وصلوا إليها خرج منها
الأتراك ، وأقام
ثابت بها ، وبينه وبينهم
دجلة .
ثم إن
ابن بوقا عبر جماعة من الجند ارتضاهم ، وعرف شجاعتهم ، فوقفوا على موضع مرتفع على نهر سالم ، يكون ارتفاعه نحو خمسين ذراعا ، فقصدهم
ثابت وعسكره فلم يقدروا أن يقربوا
الترك من النشاب ، والمدد يأتيهم من
ابن بوقا ، وجرح
ثابت في وجهه ، وكثر الجراح في أصحابه ، فانهزم هو ومن معه ، وتبعهم
الأتراك ، فقتلوا منهم ، وأسروا ، ونهب طائفة من
الترك مدينة
واسط ، واختلط بهم رجالة
ثابت ، فنهبت معهم ، فسمع
ابن بوقا الخبر ، فركب إليهم ومنعهم ، وقد نهبوا بعض البلد ، ونادى في الناس بالأمان ، وأقطع السلطان ، أواخر جمادى الأولى ، مدينة
واسط لقسيم الدولة
البرسقي وأمر
ابن بوقا بقصد بلد
صدقة ونهبه ، فنهبوا فيه ما لا يحد .
وأما
السلطان محمد فإنه سار عن
بغداذ إلى
الزعفرانية ، ثاني جمادى الآخرة ، فأرسل إليه الخليفة وزيره
مجد الدين بن المطلب يأمره بالتوقف ، وترك العجلة خوفا على الرعية من القتل والنهب ، وأشار قاضي
أصبهان بذلك ، واتباع أمر الخليفة ، فأجاب السلطان إلى ذلك ، فأرسل الخليفة إلى
صدقة نقيب النقباء
nindex.php?page=showalam&ids=13317علي بن طراد ،
وجمال الدولة مختصا الخادم ، فساروا إلى
صدقة فأبلغاه رسالة الخليفة يأمره بطاعة السلطان ، وينهاه عن المخالفة ، فاعتذر
صدقة ، وقال : ما خالفت الطاعة ، ولا قطعت الخطبة في بلدي . وجهز ابنه
دبيسا ليسير معهما إلى السلطان .
( فبينما الرسل )
وصدقة في هذا الحديث ، إذ ورد الخبر أن طائفة من عسكر السلطان قد عبروا من
مطيراباذ ، وأن الحرب بينهم وبين أصحاب
صدقة قائمة على ساق ، فتجلد
صدقة لأجل الرسل ، وهو يشتكي الركوب إلى أصحابه خوفا عليهم ، وكان الرسل إذا سمعوا ذلك ينكرونه لأنهم قد تقدموا إلى العسكر ، عند عبورهم عليهم ، أن لا يتعرض أحد منهم إلى حرب ، حتى نعود ، فإن الصلح قد قارب . فقال
صدقة للرسول : كيف أثق أرسل ولدي الآن وكيف آمن عليه ، وقد جرى ما ترون ؟ فإن
[ ص: 553 ] تكفلتم برده إلي أنفذته . فلم يتجاسروا على كفالته ، فكتب إلى الخليفة يعتذر عن إنفاذ ولده بما جرى .
وكان سبب هذه الوقعة أن عسكر السلطان لما رأوا الرسل اعتقدوا وقوع الصلح ، فقال بعضهم : الرأي أننا ننهب شيئا قبل الصلح ، فأجاب البعض وامتنع البعض ، فعبر من أجاب النهر ، ولم يتأخر من لم يجب لئلا ينسب إلى خور وجبن ، ولئلا يتم على من عبر وهن ، فيكون عاره وأذاه عليهم ، فعبروا بعدهم أيضا ، فأتاهم أصحاب
صدقة وقاتلوهم ، فكانت الهزيمة على
الأتراك ، وقتل منهم جماعة كثيرة ، وأسر جماعة من أعيانهم ، وكثير من غيرهم ، وغرق جماعة منهم :
الأمير محمد بن ياغي سيان الذي كان أبوه صاحب
أنطاكية ، وكان عمره نيفا وعشرين سنة ، وكان محبا ( للعلماء وأهل الدين ) ، وبنى بإقطاعه من
أذربيجان عدة مدارس . ولم يجسر
الأتراك على أن يعرفوا السلطان بما أخذ منهم من الأموال والدواب خوفا منه ، حيث فعلوا ذلك بغير أمره .
وطمع العرب بهذه الهزيمة ، وظهر منهم الفخر والتيه والطمع ، وأظهروا أنهم باعوا كل أسير بدينار ، وأن ثلاثة باعوا أسيرا بخمسة قراريط وأكلوا بها خبزا وهريسة ، وجعلوا ينادون : من يتغدى بأسير ، ويتعشى بآخر ؟ وظهر من
الأتراك اضطراب عظيم .
وأعاد الخليفة مكاتبة
صدقة بتحرير أمر الصلح ، فأجاب أنه لا يخالف ما يؤمر به ، وكتب
صدقة أيضا إلى السلطان يعتذر مما نقل عنه ، ومن الحرب التي كانت بين أصحابه وبين
الأتراك ، وأن جند السلطان ( عبرت إلى ) أصحابه ، فمنعوا عن أنفسهم بغير علمه ، وأنه لم يحضر الحرب ، ولم ينزع يدا من طاعة ، ولا قطع خطبته من بلده .
ولم يكن
صدقة كاتبه قبل هذا الكتاب ، فأرسل الخليفة نقيب النقباء ،
وأبا سعد الهروي إلى
صدقة ، ( فقصد السلطان أولا ، وأخذ يده بالأمان لمن يقصده من أقارب
صدقة ، فلما وصلا إلى
صدقة ) وقالا له عن الخليفة : إن إصلاح قلب السلطان
[ ص: 554 ] موقوف على إطلاق الأسرى ، ورد جميع ما أخذ من العسكر المنهزم ، فأجاب أولا بالخضوع والطاعة ، ثم قال : لو قدرت على الرحيل من بين يدي السلطان فعلت ، لكن ورائي من ظهري ، وظهر أبي وجدي ، ثلاثمائة امرأة ، ولا يحملهن مكان ، ولو علمت أنني إذا جئت السلطان مستسلما قبلني واستخدمني لفعلت ، لكنني أخاف أنه لا يقيل عثرتي ، ولا يعفو عن زلتي .
وأما ما نهب فإن الخلق كثير ، وعندي من لا أعرفه ، وقد نهبوا ودخلوا البر ، فلا طاقة لي عليهم ، ولكن إن كان السلطان لا يعارضني فيما في يدي ، ولا فيمن أجرته ، وأن يقر سرخاب بن كيخسرو على إقطاعه بساوة ، وأن يتقدم إلى
ابن بوقا بإعادة ما نهب من بلادي ، وأن يخرج وزير الخليفة يحلفه بما أثق به من الأيمان على المحافظة فيما بيني وبينه ، فحينئذ أخدم بالمال ، وأدوس بساطه بعد ذلك .
فعادوا بهذا ، ومعهم
أبو منصور بن معروف ، رسول
صدقة ، فردهم الخليفة ، وأرسل السلطان معهم
قاضي أصبهان أبا إسماعيل ، فأما
أبو إسماعيل فلم يصل إليه ، وعاد من الطريق ، وأصر
صدقة على القول الأول . فحينئذ سار السلطان ، ثامن رجب ، من
الزعفرانية ، وسار
صدقة في عساكره إلى
قرية مطر ، وأمر جنده بلبس السلاح ، واستأمن
ثابت بن السلطان بن دبيس بن علي بن مزيد ، وهو ابن عم
صدقة ، إلى
السلطان محمد ، وكان يحسد
صدقة ، وهو الذي تقدم ذكره أنه كان
بواسط ، فأكرمه السلطان ، وأحسن إليه ، ووعده الإقطاع .
ووردت العساكر إلى السلطان منهم : بنو
برسق ،
وعلاء الدولة أبو كاليجار كرشاسب بن علي بن فرامرز (
أبي جعفر بن كاكاويه وآباؤه كانوا أصحاب
أصبهان ،
وفرامرز ) هو الذي سلمها إلى
طغرلبك ، وقتل أبوه مع
تتش .
وعبر عسكر السلطان
دجلة ، ولم يعبر هو ، فصاروا مع
صدقة على أرض واحدة ، بينهما نهر ، والتقوا تاسع عشر رجب ، وكانت الريح في وجوه أصحاب السلطان ، فلما التقوا صارت في ظهورهم ، وفي وجوه أصحاب
صدقة ، ثم إن
الأتراك رموا بالنشاب ، فكان يخرج في كل رشقة عشرة آلاف نشابة ، فلم يقع سهم إلا في فرس أو فارس ، وكان أصحاب
صدقة كلما حملوا منعهم النهر من الوصول إلى
الأتراك والنشاب ، ومن عبر منهم لم يرجع ، وتقاعدت
عبادة وخفاجة ، وجعل
صدقة ينادي : يا
آل خزيمة ، يا
آل [ ص: 555 ] ناشرة ، يا
آل عوف ، ووعد الأكراد بكل جميل لما ظهر من شجاعتهم ، وكان راكبا على فرسه المهلوب ، ولم يكن لأحد مثله ، فجرح الفرس ثلاث جراحات وأخذه
الأمير أحمديل بعد قتل
صدقة ، فسيره إلى
بغداذ في سفينة ، فمات في الطريق .
وكان
لصدقة فرس آخر قد ركبه حاجبه
أبو نصر بن تفاحة ، فلما رأى الناس وقد غشوا
صدقة هرب عليه ، فناداه
صدقة ، فلم يجبه ، وحمل
صدقة على
الأتراك ، وضربه غلام منهم على وجهه فشوهه ، وجعل يقول : أنا ملك العرب ، أنا
صدقة ! فأصابه سهم في ظهره ، وأدركه غلام اسمه
بزغش ، كان أشل ، فتعلق به ، وهو لا يعرفه ، وجذبه عن فرسه ، فسقط إلى الأرض هو والغلام ، فعرفه
صدقة ، فقال : يا
بزغش ارفق ، فضربه بالسيف فقتله ، وأخذ رأسه وحمله إلى
البرسقي ، فحمله إلى السلطان ، فلما رآه عانقه ، وأمر
لبزغش بصلة .
وبقي
صدقة طريحا إلى أن سار السلطان ، فدفنه إنسان من
المدائن . وكان عمره تسعا وخمسين سنة ، وكانت إمارته إحدى وعشرين سنة ، وحمل رأسه إلى
بغداذ ، وقتل من أصحابه ما يزيد على ثلاثة آلاف فارس ، فيهم جماعة من أهل بيته ، وقتل من
بني شيبان خمسة وتسعون رجلا ، وأسر ابنه
nindex.php?page=showalam&ids=15862دبيس بن صدقة ،
وسرخاب بن كيخسرو الديلمي الذي كانت هذه الحرب بسببه ، فأحضر بين يدي السلطان ، فطلب الأمان ، فقال : قد عاهدت الله أنني لا أقتل أسيرا ، فإن ثبت عليك أنك باطني قتلتك ، وأسر
سعيد بن حميد العمري ، صاحب جيش
صدقة ، وهرب
بدران بن صدقة إلى
الحلة ، فأخذ من المال وغيره ما أمكنه ، وسير أمه ونساءه إلى البطيحة إلى
مهذب الدولة أبي العباس أحمد بن أبي الجبر ، وكان
بدران صهر مهذب الدولة على ابنته ، ونهب من الأموال ما لا حد عليه .
وكان له من الكتب المنسوبة الخط شيء كثير ، ألوف مجلدات ، وكان يحسن يقرأ ، ولا يكتب ، وكان جوادا ، حليما ، صدوقا ، كثير البر والإحسان ، ما برح ملجأ
[ ص: 556 ] لكل ملهوف ، يلقى من يقصده بالبر والتفضل ، ويبسط قاصديه ، ويزورهم ، وكان عادلا ، والرعايا معه في أمن ودعة ، وكان عفيفا لم يتزوج على امرأته ، ولا تسرى عليها ، فما ظنك بغير هذا ؟ ولم يصادر أحدا من نوابه ، ولا أخذهم بإساءة قديمة ، وكان أصحابه يودعون أموالهم في خزانته ، ويدلون عليه إدلال الولد على الوالد ، ولم يسمع برعية أحبت أميرها كحب رعيته له .
وكان متواضعا ، محتملا ، يحفظ الأشعار ، ويبادر إلى النادرة ، رحمه الله ، لقد كان من محاسن الدنيا .
وعاد السلطان إلى
بغداذ ، ولم يصل إلى
الحلة ، وأرسل إلى البطيحة أمانا لزوجة
صدقة ، وأمرها بالظهور فأصعدت إلى
بغداذ ، فأطلق السلطان ابنها
دبيسا ، وأنفذ معه جماعة من الأمراء إلى لقائها ، فلما لقيها ابنها بكيا بكاء شديدا ، ولما وصلت إلى
بغداذ أحضرها السلطان ، واعتذر من قتل زوجها ، وقال : وددت أنه حمل إلي حتى كنت أفعل معه ما يعجب الناس به من الجميل والإحسان ، لكن الأقدار غلبتني . واستحلف ابنها
دبيسا أنه لا يسعى بفساد .