[ ص: 595 ] 507
ثم دخلت سنة سبع وخمسمائة ذكر
قتال الفرنج وانهزامهم وقتل مودود
في هذه السنة ، في المحرم ، اجتمع المسلمون ، وفيهم الأمير
مودود بن ألتونتكين ، صاحب
الموصل ،
وتميرك ، صاحب
سنجار ، والأمير
إياز بن إيلغازي ،
وطغتكين ، صاحب
دمشق .
وكان سبب اجتماع المسلمين أن ملك
الفرنج بغدوين تابع الغارات على بلد
دمشق ، ونهبه وخربه ، أواخر سنة ست وخمسمائة ، وانقطعت المواد عن
دمشق ، فغلت الأسعار فيها ، وقلت الأقوات ، فأرسل
nindex.php?page=showalam&ids=16252طغتكين صاحبها إلى الأمير
مودود يشرح له الحال ، ويستنجده ، ويحثه على سرعة الوصول إليه ، فجمع عسكرا ، وسار فعبر
الفرات آخر ذي القعدة سنة ست وخمسمائة ، فخافه
الفرنج .
وسمع
nindex.php?page=showalam&ids=16252طغتكين خبره ، فسار إليه ، ولقيه
بسلمية ، واتفق رأيهم على قصد
بغدوين ، ملك
القدس ، فساروا إلى
الأردن ، فنزل المسلمون عند
الأقحوانة ونزل
الفرنج مع
[ ص: 596 ] ملكهم
بغدوين وجوسلين ، صاحب جيشهم ، وغيرهما من المقدمين ، والفرسان المشهورين ، ودخلوا بلاد
الفرنج مع
مودود ، وجمع
الفرنج ، فالتقوا عند
طبرية ثالث عشر من المحرم ، واشتد القتال ، وصبر الفريقان ، ثم إن
الفرنج انهزموا ، وكثر القتل فيهم والأسر ، وممن أسر ملكهم بغدوين ، فلم يعرف ، فأخذ سلاحه وأطلق فنجا ، وغرق منهم في
بحيرة طبرية ونهر الأردن كثير ، وغنم المسلمون أموالهم وسلاحهم ، ووصل
الفرنج إلى مضيق دون
طبرية ، فلقيهم عسكر
طرابلس وأنطاكية ، فقويت نفوسهم بهم ، وعاودوا الحرب ، فأحاط بهم المسلمون من كل ناحية ، وصعد
الفرنج إلى جبل غرب
طبرية ، فأقاموا به ستة وعشرين يوما ، والمسلمون بإزائهم يرمونهم بالنشاب فيصيبون من يقرب منهم ، ومنعوا الميرة عنهم لعلهم يخرجون إلى قتالهم ، فلم يخرج منهم أحد ، فسار المسلمون إلى
بيسان ، ونهبوا بلاد
الفرنج بين
عكا إلى
القدس ، وخربوها ، وقتلوا من ظفروا به من
النصارى ، وانقطعت المادة عنهم لبعدهم عن بلادهم ، فعادوا ونزلوا بمرج الصفر .
وأذن الأمير
مودود للعساكر في العود والاستراحة ، ثم الاجتماع في الربيع لمعاودة الغزاة ، وبقي في خواصه ، ودخل
دمشق في الحادي والعشرين من ربيع الأول ليقيم عند
nindex.php?page=showalam&ids=16252طغتكين إلى الربيع ، فدخل الجامع يوم الجمعة في ربيع الأول ، ليصلي فيه
وطغتكين ، فلما فرغوا من الصلاة ، وخرج إلى صحن الجامع ، ويده في يد
nindex.php?page=showalam&ids=16252طغتكين ، وثب عليه باطني فضربه فجرحه أربع جراحات وقتل الباطني ، وأخذ رأسه ، فلم يعرفه أحد ، فأحرق .
وكان صائما ، فحمل إلى دار
nindex.php?page=showalam&ids=16252طغتكين ، واجتهد به ليفطر ، فلم يفعل ، وقال : لا لقيت الله إلا صائما ، فمات من يومه ، رحمه الله ، فقيل إن الباطنية
بالشام خافوه وقتلوه ، وقيل بل خافه
nindex.php?page=showalam&ids=16252طغتكين فوضع عليه من قتله .
وكان خيرا ، عادلا ، كثير الخير . حدثني والدي قال : كتب ملك
الفرنج إلى
nindex.php?page=showalam&ids=16252طغتكين ، بعد قتل
مودود ، كتابا من فصوله : أن أمة قتلت عميدها . يوم عيدها . في بيت معبودها . لحقيق على الله أن يبيدها .
[ ص: 597 ] ولما قتل تسلم
تميرك ، صاحب
سنجار ، ما معه من الخزائن والسلاح وحملها إلى السلطان ، ودفن
مودود بدمشق في تربة دقاق صاحبها ، وحمل بعد ذلك إلى
بغداذ ، فدفن في جوار
أبي حنيفة ، ثم حمل إلى
أصبهان .
ذكر
الخلف بين السلطان سنجر ومحمد خان والصلح بينهما
في هذه السنة كثر الحديث عن
سنجر : أن
محمد خان بن سليمان بن داود قد مد يده إلى أموال الرعايا ، وظلمهم ظلما كثيرا ، وأنه خرب البلاد بظلمه وشره ، وأنه قد صار يستخف بأوامر
سنجر ، ولا يلتفت إلى شيء منها ، فتجهز
سنجر وجمع عساكره وسار يريد قصده
بما وراء النهر ، فخاف
محمد خان ، فأرسل إلى الأمير
قماج ، وهو أكبر أمير مع
سنجر ، يسأله أن يصلح الحال بينه وبين
سنجر ، وأرسل أيضا إلى
خوارزمشاه بمثل ذلك ، وسألهما في إرضاء السلطان عنه ، واعترف بأنه أخطأ ، فأجاب
سنجر إلى صلحه على شرط أن يحضر عنده ويطأ بساطه ، فأرسل
محمد خان يذكر خوفه لسوء صنيعه ، ولكنه يحضر الخدمة ، ويخدم السلطان ، وبينهما نهر جيحون ، ثم يعاود بعد ذلك الحضور عنده ، والدخول إليه ، فحسنوا الإجابة إلى ذلك ، والاشتغال بغيره ، فامتنع ، ثم أجاب .
وكان
سنجر على شاطئ جيحون من الجانب الغربي ، وجاء
محمد خان إلى الجانب الشرقي ، فترجل وقبل الأرض
وسنجر راكب ، وعاد كل واحد منهما إلى خيامه ، ورجعوا إلى بلادهم ، وسكنت الفتنة بينهما .
ذكر عدة حوادث
في هذه السنة
سار قفل عظيم من دمشق إلى مصر ، فأتى الخبر إلى
بغدوين ملك
الفرنج ، فسار إليه ، وعارضه في البر ، فأخذهم أجمعين ، ولم ينج منهم إلا القليل ، ومن سلم أخذه العرب .
[ ص: 598 ] [ الوفيات ]
وفي هذه السنة
توفي الوزير أبو القاسم علي بن محمد بن جهير ، وزير الخليفة nindex.php?page=showalam&ids=15221المستظهر بالله ، ووزر بعده الربيب
أبو منصور بن الوزير أبي شجاع محمد بن الحسين وزير السلطان .
وفيها توفي الملك
رضوان محمد تاج الدولة تتش بن ألب أرسلان ، صاحب
حلب ، وقام بعده
بحلب ابنه
ألب أرسلان الأخرس ، وعمره ست عشرة سنة ، وكانت أمور
رضوان غير محمودة : قتل أخويه
أبا طالب وبهرام ، وكان يستعين
بالباطنية في كثير من أموره لقلة دينه ، ولما ملك
الأخرس استولى على الأمور
لؤلؤ الخادم ، ولم يكن
للأخرس معه إلا اسم السلطنة ، ومعناه
للؤلؤ ، ولم يكن
ألب أرسلان أخرس ، وإنما في لسانه حبسة وتمتمة ، وأمه
بنت باغي سيان الذي كان صاحب
أنطاكية ، وقتل
الأخرس أخوين له أحدهما اسمه
ملكشاه ، وهو من أبيه وأمه ، واسم الآخر
مباركشاه ، وهو من أبيه ، وكان أبوه فعل مثله ، فلما توفي قتل ولداه ، مكافأة لما اعتمده مع أخويه .
وكان
الباطنية قد كثروا
بحلب في أيامه ، حتى خافهم
ابن بديع رئيسها ، وأعيان أهلها ، فلما توفي قال
ابن بديع لألب أرسلان في قتلهم والإيقاع بهم ، فأمره بذلك ، فقبض على مقدمهم
أبي طاهر الصائغ ، وعلى جميع أصحابه ، فقتل
أبا طاهر وجماعة من أعيانهم ، وأخذ أموال الباقين وأطلقهم ، فمنهم من قصد
الفرنج ، وتفرقوا في البلاد .
وفي هذه السنة توفي
ببغداذ nindex.php?page=showalam&ids=12979أبو بكر أحمد بن علي بن بدران الحلواني الزاهد ، منتصف جمادى الأولى ، روى الحديث عن القاضي
nindex.php?page=showalam&ids=11872أبي الطيب الطبري ،
وأبي محمد الجوهري ،
وأبي طالب العشاري وغيرهم ، وروى عنه خلق كثير ، ومن آخرهم
أبو الفضل عبد الله بن الطوسي ، خطيب
الموصل .
وإسماعيل بن أحمد بن الحسين بن علي أبو علي بن أبي بكر البيهقي الإمام
[ ص: 599 ] ابن الإمام ، ومولده سنة ثمان وعشرين وأربعمائة ، وتوفي بمدينة
بيهق ، ولوالده تصانيف كثيرة مشهورة .
nindex.php?page=showalam&ids=16093وشجاع بن أبي شجاع فارس بن الحسين بن فارس أبو غالب الذهلي الحافظ ، ومولده سنة ثلاثين وأربعمائة ، وروى عن أبيه ،
وأبي القاسم ،
وابن المهتدي والجوهري وغيرهم .
والأديب
أبو المظفر محمد بن أحمد بن محمد الأبيوردي الشاعر المشهور ، وله ديوان حسن ، ومن شعره :
تنكر لي دهري ، ولم يدر أنني أعز ، وأحداث الزمان تهون وظل يريني الخطب كيف اعتداؤه
وبت أريه الصبر كيف يكون
وله أيضا :
ركبت طرفي ، فأذرى دمعه أسفا عند انصرافي منهم ، مضمر الياس
وقال : حتام تؤذيني ، فإن سنحت حوائج لك ، فاركبني إلى الناس
وكانت وفاته
بأصبهان ، وهو من ولد
عنبسة بن أبي سفيان بن حرب الأموي وتوفي
nindex.php?page=showalam&ids=14561أبو بكر محمد بن أحمد بن الحسين بن عمر الشاشي ، الإمام الفقيه الشافعي ، في شوال ، مولده سنة سبع وعشرين وأربعمائة ، سمع
أبا بكر الخطيب ،
وأبا يعلى بن الفراء ، وغيرهما ، وتفقه على
nindex.php?page=showalam&ids=15049أبي عبد الله محمد بن الكازروني بديار بكر ، وعلى
nindex.php?page=showalam&ids=11815أبي إسحاق الشيرازي ببغداذ ، وعلى
nindex.php?page=showalam&ids=12785أبي نصر بن الصباغ [ ص: 600 ] وفيها توفي
nindex.php?page=showalam&ids=14450أبو نصر المؤتمن بن أحمد بن الحسن الساجي ،
الحافظ المقدسي ، ومولده سنة خمس وأربعين وأربعمائة ، وكان مكثرا من الحديث ، وتفقه على
أبي إسحاق ، وكان ثقة .