ذكر
الفتنة بين المرابطين وأهل قرطبة
في هذه السنة ، وقيل سنة أربع عشرة وخمسمائة ، كانت فتنة بين عسكر أمير المسلمين
علي بن يوسف وبين أهل
قرطبة .
وسببها : أن أمير المسلمين استعمل عليها
أبا بكر يحيى بن رواد ، فلما كان يوم الأضحى خرج الناس متفرجين ، فمد عبد من عبيد
أبي بكر يده إلى امرأة فأمسكها ، فاستغاثت بالمسلمين ، فأغاثوها ، فوقع بين العبيد وأهل البلد فتنة عظيمة ، ودامت جميع النهار ، والحرب بينهم قائمة على ساق ، فأدركهم الليل ، فتفرقوا ، فوصل الخبر إلى الأمير
أبي بكر ، فاجتمع إليه الفقهاء والأعيان ، فقالوا : المصلحة أن تقتل واحدا من العبيد الذين أثاروا الفتنة ، فأنكر ذلك وغضب منه ، وأصبح من الغد ، وأظهر السلاح والعدد يريد قتال أهل البلد ، فركب الفقهاء والأعيان والشبان من أهل البلد ، وقاتلوه فهزموه ، وتحصن بالقصر ، فحصروه ، وتسلقوا إليه ، فهرب منهم بعد مشقة وتعب ، فنهبوا القصر ، وأحرقوا جميع دور
المرابطين ، ونهبوا أموالهم ، وأخرجوهم من البلد على أقبح صورة .
واتصل الخبر بأمير المسلمين فكره ذلك واستعظمه ، وجمع العساكر من
صنهاجة ،
وزناتة ،
والبربر ، وغيرهم ، فاجتمع له منهم جمع عظيم ، فعبر إليهم سنة خمس عشرة وخمسمائة ، وحصر مدينة
قرطبة ، فقاتله أهلها قتال من يريد أن يحمي دمه وحريمه وماله ، فلما رأى أمير المسلمين شدة قتالهم دخل السفراء بينهم ، وسعوا في
[ ص: 646 ] الصلح فأجابهم إلى ذلك على أن يغرم أهل
قرطبة المرابطين ما نهبوه من أموالهم ، واستقرت القاعدة على ذلك ، وعاد عن قتالهم .