ذكر
ابتداء أمر nindex.php?page=showalam&ids=13026محمد بن تومرت وعبد المؤمن وملكهما
في هذه السنة كان ابتداء أمر
المهدي أبي عبد الله محمد بن عبد الله بن تومرت العلوي ، الحسني ، وقبيلته من المصامدة ، تعرف بهرغة في
جبل السوس ، من بلاد
المغرب ، نزلوا به لما فتحه المسلمون مع
nindex.php?page=showalam&ids=17181موسى بن نصير ، ونذكر أمره وأمر
عبد المؤمن هذه السنة إلى أن فرغ من ملك المغرب لنتبع بعض الحادثة بعضا .
وكان
nindex.php?page=showalam&ids=13026ابن تومرت قد رحل في شبيبته إلى بلاد الشرق في طلب العلم ، وكان فقيها ، فاضلا ، عالما بالشريعة ، حافظا للحديث ، عارفا بأصولي الدين والفقه ، متحققا بعلم العربية ، وكان ورعا ، ناسكا ، ووصل في سفره إلى
العراق ، واجتمع
بالغزالي ،
وإلكيا ، واجتمع
بأبي بكر الطرطوشي بالإسكندرية ، وقيل إنه جرى له حديث مع
nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي فيما فعله بالمغرب من التملك ، فقال له
nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي : إن هذا لا يتمشى في هذه البلاد ، ولا يمكن وقوعه لأمثالنا .
كذا قال بعض مؤرخي المغرب ، والصحيح أنه لم يجتمع به ، فحج من هناك وعاد إلى المغرب ، ولما ركب البحر من
الإسكندرية ، مغربا ، غير المنكر في المركب ، وألزم من به بإقامة الصلاة ، وقراءة القرآن ، حتى انتهى إلى
المهدية ، وسلطانها حينئذ
يحيى بن تميم ، سنة خمس وخمسمائة ، فنزل بمسجد قبلي مسجد السبت ، وليس له سوى
[ ص: 655 ] ركوة ، وعصا ، وتسامع به أهل البلد ، فقصدوه يقرءون عليه أنواع العلوم ، وكان إذا مر به منكر غيره وأزاله ، فلما كثر ذلك منه أحضره الأمير
يحيى مع جماعة من الفقهاء ، فلما رأى سمته وسمع كلامه أكرمه واحترمه ، وسأله الدعاء .
ورحل عن المدينة وأقام
بالمنستير مع جماعة من الصالحين ، مدة وسار إلى
بجاية ففعل فيها مثل ذلك ، فأخرج منها إلى قرية بالقرب منها اسمها
ملالة ، فلقيه بها
nindex.php?page=showalam&ids=16478عبد المؤمن بن علي ، فرأى فيه من النجابة والنهضة ما تفرس فيه التقدم ، والقيام بالأمر ، فسأله عن اسمه وقبيلته ، فأخبره أنه من
قيس عيلان ، ثم من
بني سليم ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=13026ابن تومرت : هذا الذي بشر به النبي صلى الله عليه وسلم ، حين قال :
إن الله ينصر هذا الدين ، في آخر الزمان ، برجل من قيس ، فقيل : من أي قيس ؟ فقال : من بني سليم . فاستبشر
بعبد المؤمن وسر بلقائه ، وكان مولد
عبد المؤمن في
مدينة تاجرة ، من أعمال
تلمسان ، وهو من
عائذ ، قبيل من
كومرة ، نزلوا بذلك الإقليم سنة ثمانين ومائة .
ولم يزل
المهدي ملازما للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في طريقه إلى أن وصل إلى
مراكش دار مملكة أمير المسلمين
يوسف بن علي بن تاشفين ، فرأى فيها من المنكرات أكثر مما عاينه في طريقه ، فزاد في أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر ، فكثر أتباعه ، وحسنت ظنون الناس فيه ، فبينما هو في بعض الأيام في طريقه ، إذ رأى أخت أمير المؤمنين في موكبها ، ومعها من الجواري الحسان عدة كثيرة ، وهن مسفرات ، وكانت هذه عادة الملثمين يسفر نساؤهم عن وجوههن ، ويتلثم الرجال ، فحين رأى النساء كذلك أنكر عليهن ، وأمرهن بستر وجوههن وضرب هو وأصحابه دوابهن ، فسقطت أخت أمير المسلمين عن دابتها ، فرفع أمره إلى أمير المسلمين
علي بن يوسف ، فأحضره ، وأحضر الفقهاء ليناظره ، فأخذ يعظه ويخوفه ، فبكى أمير المسلمين ، وأمر أن يناظره الفقهاء ، فلم يكن فيهم من يقوم له لقوة أدلته في الذي فعله .
وكان عند أمير المسلمين بعض وزرائه يقال له
مالك بن وهيب ، فقال : يا أمير المسلمين ، إن هذا والله لا يريد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، إنما يريد إثارة فتنة ، والغلبة على بعض النواحي ، فاقتله وقلدني دمه . فلم يفعل ذلك ، فقال : إن لم تقتله فاحبسه ، وخلده في السجن ، وإلا أثار شرا لا يمكن تلافيه . فأراد حبسه ، فمنعه رجل من أكابر الملثمين يسمى
بيان بن عثمان فأمر بإخراجه من
مراكش ، فسار إلى
[ ص: 656 ] أغمات ، ولحق بالجبل ، فسار فيه ، حتى التحق
بالسوس الذي فيه قبيلة
هرغة وغيرهم من
المصامدة سنة أربع عشرة وخمسمائة ، فأتوه ، واجتمعوا حوله .
وتسامع به أهل تلك النواحي ، فوفدوا عليه ، وحضر أعيانهم بين يديه وجعل يعظهم ، ويذكرهم بأيام الله ، ويذكر لهم شرائع الإسلام ، وما غير منها ، وما حدث من الظلم والفساد ، وأنه لا يجب طاعة دولة من هذه الدول لاتباعهم الباطل ، بل الواجب قتالهم ، ومنعهم عما هم فيه ، فأقام على ذلك نحو سنة ، وتابعته
هرغة قبيلته ، وسمى أتباعه
الموحدين وأعلمهم أن النبي ، صلى الله عليه وسلم بشر
بالمهدي الذي يملأ الأرض عدلا ، وأن مكانه الذي يخرج منه المغرب الأقصى ، فقام إليه عشرة رجال ، أحدهم
عبد المؤمن ، فقالوا : لا يوجد هذا إلا فيك فأنت
المهدي ، فبايعوه على ذلك .
فانتهى خبره إلى أمير المسلمين ، فجهز جيشا من أصحابه وسيرهم إليه ، فلما قربوا من الجبل الذي هو فيه قال لأصحابه : إن هؤلاء يريدونني ، وأخاف عليكم منهم ، فالرأي أن أخرج بنفسي إلى غير هذه البلاد لتسلموا أنتم ، فقال له
ابن توفيان من مشايخ
هرغة : هل تخاف شيئا من السماء ؟ فقال : لا ، بل من السماء تنصرون ، فقال
ابن توفيان : فليأتنا كل من في الأرض . ووافقه جميع قبيلته ، فقال
المهدي : أبشروا بالنصر والظفر بهذه الشرذمة ، وبعد قليل تستأصلون دولتهم ، وترثون أرضهم ، فنزلوا من الجبل ، ولقوا جيش أمير المسلمين ، فهزموهم ، وأخذوا أسلابهم ، وقوي ظنهم في صدق
المهدي ، حيث ظفروا ، كما ذكر لهم .
وأقبلت إليه أفواج القبائل ، من الحلل التي حوله ، شرقا وغربا ، وبايعوه ، وأطاعته قبيلة
هنتاتة ، وهي من أقوى القبائل ، فأقبل عليهم ، واطمأن إليهم ، وأتاه رسل أهل
تين ملل بطاعتهم ، وطلبوه إليهم ، فتوجه إلى جبل
تين ملل واستوطنه ، وألف لهم كتابا في التوحيد ، وكتابا في العقيدة ، ونهج لهم طريق الأدب بعضهم مع بعض ، والاقتصار على القصير من الثياب ، القليل الثمن ، وهو يحرضهم على قتال عدوهم ، وإخراج الأشرار من بين أظهرهم .
وأقام
بتين ملل وبنى له مسجدا خارج المدينة ، فكان يصلي فيه الصلوات هو
[ ص: 657 ] وجمع ممن معه عنده ، ويدخل البلد بعد العشاء الآخرة ، فلما رأى كثرة أهل الجبل ، وحصانة المدينة ، خاف أن يرجعوا عنه ، فأمرهم أن يحضروا بغير سلاح ، ففعلوا ذلك عدة أيام ، ثم إنه أمر أصحابه أن يقتلوهم ، فخرجوا عليهم وهم غارون فقتلوهم في ذلك المسجد ، ثم دخل المدينة فقتل فيها وأكثر ، وسبى الحريم ، ونهب الأموال ، فكان عدة القتلى خمسة عشر ألفا ، وقسم المساكن والأرض بين أصحابه ، وبنى على المدينة سورا ، وقلعة على رأس جبل عال .
وفي جبل
تين ملل أنهار جارية ، وأشجار ، وزروع ، والطريق إليه صعب ، فلا جبل أحصن منه .
وقيل : إنه لما خاف أهل
تين ملل نظر ، فرأى كثيرا من أولادهم شقرا زرقا ، والذي يغلب على الآباء السمرة ، وكان لأمير المسلمين عدة كثيرة من المماليك
الفرنج والروم ، ويغلب على ألوانهم الشقرة ، وكانوا يصعدون الجبل في كل عام مرة ، ويأخذون ما لهم فيه من الأموال المقررة لهم من جهة السلطان ، فكانوا يسكنون بيوت أهله ، ويخرجون أصحابها منها ، فلما رأى
المهدي أولادهم سألهم : ما لي أراكم سمر الألوان ، وأرى أولادكم شقرا ، زرقا ؟ فأخبروه خبرهم مع مماليك أمير المسلمين ، فقبح الصبر على هذا ، وأزرى عليهم ، وعظم الأمر عندهم ، فقالوا له : فكيف الحيلة في الخلاص منهم ، وليس لنا بهم قوة ؟ فقال : إذا حضروا عندكم في الوقت المعتاد ، وتفرقوا في مساكنهم ، فليقم كل رجل منكم إلى نزيله فيقتله ، واحفظوا جبلكم ، فإنه لا يرام ولا يقدر عليه . فصبروا حتى حضر أولئك العبيد ، فقتلوهم على ما قرر لهم
المهدي ، فلما فعلوا ذلك خافوا على نفوسهم من أمير المسلمين ، فامتنعوا في الجبل ، وسدوا ما فيه من طريق يسلك إليهم ، فقويت نفس
المهدي بذلك .
ثم إن أمير المسلمين أرسل إليهم جيشا قويا ، فحصروهم في الجبل ، وضيقوا عليهم ، ومنعوا عنهم الميرة ، فقلت عند أصحاب
المهدي الأقوات ، حتى صار الخبز معدوما عندهم ، وكان يطبخ لهم كل يوم من الحساء ما يكفيهم ، فكان قوت كل واحد منهم أن يغمس يده في ذلك الحساء ويخرجها ، فما علق عليها قنع ذلك اليوم ، فاجتمع أعيان أهل
تين ملل ، وأرادوا إصلاح الحال مع أمير المسلمين ، فبلغ الخبر بذلك
nindex.php?page=showalam&ids=13026المهدي بن تومرت ، وكان معه إنسان يقال له
أبو عبد الله الونشريشي ، يظهر البله ،
[ ص: 658 ] وعدم المعرفة بشيء من القرآن والعلم ، وبزاقه يجري على صدره ، وهو كأنه معتوه ، ومع هذا
فالمهدي يقربه ، ويكرمه ، ويقول : إن لله سرا في هذا الرجل سوف يظهر .
وكان
الونشريشي يلزم الاشتغال بالقرآن والعلم في السر بحيث لا يعلم أحد ذلك منه ، فلما كانت سنة تسع عشرة وخمسمائة ، وخاف
المهدي من أهل الجبل ، خرج يوما لصلاة الصبح ، فرأى إلى جانب محرابه إنسانا حسن الثياب ، طيب الريح ، فأظهر أنه لا يعرفه ، وقال : من هذا ؟ فقال : أنا
أبو عبد الله الونشريشي ! فقال له
المهدي : إن أمرك لعجب ! ثم صلى ، فلما فرغ من صلاته نادى في الناس فحضروا ، فقال : إن هذا الرجل يزعم أنه
الونشريشي ، فانظروه ، وتحققوا أمره ، فلما أضاء النهار عرفوه ، فقال له
المهدي : ما قصتك ؟ قال : إنني أتاني الليلة ملك من السماء ، فغسل قلبي ، وعلمني الله القرآن ، والموطأ ، وغيره من العلوم والأحاديث . فبكى
المهدي بحضرة الناس ، ثم قال له : نحن نمتحنك ، فقال : افعل .
وابتدأ يقرأ القرآن قراءة حسنة من أي موضع سئل ، وكذلك الموطأ ، وغيره من كتب الفقه والأصول ، فعجب الناس من ذلك ، واستعظموه .
ثم قال لهم : إن الله تعالى قد أعطاني نورا أعرف به أهل الجنة من أهل النار ، وآمركم أن تقتلوا أهل النار ، وتتركوا أهل الجنة ، وقد أنزل الله تعالى ملائكة إلى البئر التي في المكان الفلاني يشهدون بصدقي .
فسار
المهدي ، والناس معه وهم يبكون ، إلى تلك البئر ، وصلى
المهدي عند رأسها ، وقال : يا ملائكة الله ، إن
أبا عبد الله الونشريشي قد زعم كيت وكيت ، فقال من بها : صدق ! وكان قد وضع فيها رجالا يشهدون بذلك فلما قيل ذلك من البئر ، قال
المهدي : إن هذه مطهرة مقدسة قد نزل إليها الملائكة ، والمصلحة أن تطم لئلا يقع فيها نجاسة ، أو ما لا يجوز ، فألقوا فيها من الحجارة والتراب ما طمها ، ثم نادى في أهل الجبل بالحضور إلى ذلك المكان ، فحضروا للتمييز ، فكان
الونشريشي يعمد إلى الرجل الذي يخاف ناحيته ، فيقول : هذا من أهل النار ، فيلقى من الجبل مقتولا ، وإلى الشاب الغر ، ومن لا يخشى ، فيقول : هذا من أهل الجنة ، فيترك على يمينه ، فكان عدة القتلى سبعين ألفا فلما فرغ من ذلك أمن على نفسه وأصحابه واستقام أمره .
[ ص: 659 ] هكذا سمعت جماعة من فضلاء المغاربة يذكرون في التمييز ، وسمعت منهم من يقول : إن
nindex.php?page=showalam&ids=13026ابن تومرت لما رأى كثرة أهل الشر والفساد في أهل الجبل ، أحضر شيوخ القبائل ، وقال لهم : إنكم لا يصح لكم دين ، ولا يقوى إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وإخراج المفسد من بينكم ، فابحثوا عن كل من عندكم من أهل الشر والفساد ، فانهوهم عن ذلك ، فإن انتهوا ، وإلا فاكتبوا أسماءهم وارفعوها إلي لأنظر في أمرهم . ففعلوا ذلك ، وكتبوا له أسماءهم من كل قبيلة ، ثم أمرهم بذلك مرة ثانية ، وثالثة ، ثم جمع المكتوبات فأخذ منها ما تكرر من الأسماء فأثبتها عنده ، ثم جمع الناس قاطبة ، ورفع الأسماء التي كتبها ، ودفعها إلى
الونشريشي المعروف بالبشير ، وأمره أن يعرض القبائل ، ويجعل أولئك المفسدين في جهة الشمال ، ومن عداهم في جهة اليمين ففعل ذلك ، وأمر أن يكتف من على شمال
الونشريشي ، فكتفوا ، وقال : إن هؤلاء أشقياء قد وجب قتلهم ، وأمر كل قبيلة أن يقتلوا أشقياءهم ، فقتلوا عن آخرهم فكان يوم التمييز .
ولما فرغ
nindex.php?page=showalam&ids=13026ابن تومرت من التمييز ، رأى أصحابه الباقين على نيات صادقة ، وقلوب متفقة على طاعته ، فجهز منهم جيشا وسيرهم إلى جبال أغمات ، وبها جمع من
المرابطين ، فقاتلوهم ، فانهزم أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=13026ابن تومرت ، وكان أميرهم
أبو عبد الله الونشريشي ، وقتل منهم كثير ، وجرح
عمر الهنتاني ، وهو من أكبر أصحابه ، وسكن حسه ونبضه ، فقالوا : مات ! فقال
الونشريشي : أما إنه لم يمت ، ولا يموت حتى يملك البلاد . فبعد ساعة فتح عينيه ، وعادت قوته إليه ، فافتتنوا به ، وعادوا منهزمين إلى
nindex.php?page=showalam&ids=13026ابن تومرت ، فوعظهم ، وشكرهم على صبرهم .
ثم لم يزل بعدها يرسل السرايا في أطراف بلاد المسلمين ، فإذا رأوا عسكرا تعلقوا بالجبل فأمنوا . وكان
المهدي قد رتب أصحابه مراتب ، فالأولى يسمون أيت عشرة يعني أهل عشرة ، وأولهم
عبد المؤمن ، ثم
أبو حفص الهنتاتي ، وغيرهما ، وهم أشرف أصحابه ، وأهل الثقة عنده ، السابقون إلى متابعته ، والثانية : أيت خمسين ، يعني أهل خمسين ، وهم دون تلك الطبقة ، وهم جماعة من رؤساء القبائل ، والثالثة : أيت سبعين ، يعني أهل سبعين ، وهم دون التي قبلها ، وسمي عامة أصحابه والداخلين في طاعته موحدين ، فإذا ذكر
الموحدون في أخبارهم فإنما يعنى أصحابه وأصحاب
عبد المؤمن بعده .
[ ص: 660 ] ولم يزل أمر
nindex.php?page=showalam&ids=13026ابن تومرت يعلو إلى سنة أربع وعشرين وخمسمائة ، فجهز
المهدي جيشا كثيفا يبلغون أربعين ألفا ، أكثرهم رجالة ، وجعل عليهم
الونشريشي ، وسير معهم
عبد المؤمن ، فنزلوا وساروا إلى
مراكش فحصروها ، وضيقوا عليها ، وبها أمير المسلمين
علي بن يوسف ، فبقي الحصار عليها عشرين يوما ، فأرسل أمير المسلمين إلى متولي
سجلماسة يأمره أن يحضر ومعه الجيوش ، فجمع كثيرا ، وسار ، فلما قارب عسكر
المهدي خرج أهل
مراكش من غير الجهة التي أقبل منها ، فاقتتلوا ، واشتد القتال ، وكثر القتل في أصحاب
المهدي ، فقتل
الونشريشي أميرهم ، فاجتمعوا إلى
عبد المؤمن وجعلوه أميرا عليهم .
ولم يزل القتال بينهم عامة النهار ، وصلى
عبد المؤمن صلاة الخوف ، الظهر والعصر ، والحرب قائمة ، ولم تصل بالمغرب قبل ذلك ، فلما رأى
المصامدة كثرة
المرابطين ، وقوتهم ، أسندوا ظهورهم إلى بستان كبير هناك ، والبستان يسمى عندهم البحيرة ، فلهذا قيل وقعة البحيرة ، وعام البحيرة ، وصاروا يقاتلون من جهة واحدة إلى أن أدركهم الليل ، وقد قتل من
المصامدة أكثرهم ، وحين قتل
الونشريشي دفنه
عبد المؤمن فطلبه
المصامدة ، فلم يروه في القتلى فقالوا : رفعته الملائكة ، ولما جنهم الليل سار
عبد المؤمن ومن سلم من القتل إلى الجبل .