[ ص: 55 ] 4
ودخلت السنة الرابعة من الهجرة
ذكر
غزوة الرجيع
في هذه السنة في صفر كانت غزوة الرجيع .
وكان سببها أن رهطا من
عضل والقارة قدموا على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا : إن فينا إسلاما ، فابعث لنا نفرا يفقهوننا في الدين ، ويقرئوننا القرآن . فبعث معهم ستة نفر ، وأمر عليهم
عاصم بن ثابت ، وقيل :
مرثد بن أبي مرثد ، فلما كانوا بالهدأة غدروا واستصرخوا عليهم حيا من
هذيل يقال لهم :
بنو لحيان ، فبعثوا لهم مائة رجل ، فالتجأ المسلمون إلى جبل ، فاستنزلوهم وأعطوهم العهد ، فقال
عاصم : والله لا أنزل على عهد كافر ، اللهم خبر نبيك عنا ! وقاتلهم هو
ومرثد nindex.php?page=showalam&ids=2449وخالد بن البكير ، ونزل إليهم
ابن الدثنة nindex.php?page=showalam&ids=290وخبيب بن عدي ورجل آخر فأوثقوهم ، فقال الرجل الثالث : هذا أول الغدر ، والله لا أتبعكم ! فقتلوه ، وانطلقوا
بخبيب وابن الدثنة فباعوهما
بمكة ، فأخذ
خبيبا بنو الحارث بن عامر بن نوفل ، وكان
خبيب هو الذي قتل
الحارث بأحد ، فأخذوه ليقتلوه
بالحارث ، فبينما
خبيب عند بنات
الحارث استعار من بعضهن موسى يستحد بها للقتل ، فدب صبي لها فجلس
[ ص: 56 ] على فخذ
خبيب والموسى في يده ، فصاحت المرأة ، فقال
خبيب : أتخشين أن أقتله ؟ إن الغدر ليس من شأننا . فكانت المرأة تقول :
ما رأيت أسيرا خيرا من خبيب ، لقد رأيته وما بمكة ثمرة ، وإن في يده لقطفا من عنب يأكله ، ما كان إلا رزقا رزقه الله
خبيبا .
فلما خرجوا من
الحرم بخبيب ليقتلوه قال : ردوني أصل ركعتين ، فتركوه ، فصلاهما ، فجرت سنة لمن قتل صبرا ، ثم قال
خبيب : لولا أن تقولوا جزع ، لزدت ، وقال أبياتا ، منها :
ولست أبالي حين أقتل مسلما على أي شيء كان في الله مصرعي وذلك في ذات الإله وإن يشأ
يبارك على أوصال شلو ممزع
اللهم أحصهم عددا ، واقتلهم بددا ! ثم صلبوه .
وأما
عاصم بن ثابت فإنهم أرادوا رأسه ليبيعوه من
سلافة بنت سعد ، وكانت نذرت أن تشرب الخمر في رأس
عاصم ؛ لأنه قتل ابنيها
بأحد ، فجاءت النحل فمنعته ، فقالوا : دعوه حتى يمسي فنأخذه . فبعث الله الوادي فاحتمل
عاصما ، وكان عاهد الله أن لا يمس مشركا ولا يمسه مشرك ، فمنعه الله في مماته كما منع في حياته .
وأما
ابن الدثنة فإن
nindex.php?page=showalam&ids=90صفوان بن أمية بعث به مع غلامه
نسطاس إلى
التنعيم ، ليقتله بابنيه ، فقال
نسطاس : أنشدك الله أتحب أن
محمدا الآن عندنا مكانك نضرب عنقه وأنك في أهلك ؟ قال : ما أحب أن
محمدا الآن مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه وأنا جالس في أهلي . فقال
أبو سفيان : ما رأيت من الناس أحدا يحب كحب أصحاب
محمد محمدا . ثم قتله
نسطاس .
[ ص: 57 ] (
خبيب بضم الخاء المعجمة ، وفتح الباء الموحدة ، بعدها ياء تحتها نقطتان ، وآخره باء موحدة أيضا ، والبكير بضم الباء الموحدة ، تصغير بكر ) .