ذكر
مسير المسترشد إلى حرب السلطان مسعود وانهزامه
في هذه السنة كانت الحرب بين
nindex.php?page=showalam&ids=15218الخليفة المسترشد بالله وبين
السلطان مسعود في شهر رمضان ، وسبب ذلك أن
السلطان مسعودا لما سافر من
بغداد إلى
همذان بعد موت أخيه
طغرل وملكها - فارقه جماعة من أعيان الأمراء منهم
يرنقش بازدار ،
[ ص: 62 ] وقزل آخر ،
وسنقر الخمارتكين والي
همذان ،
وعبد الرحمن بن طغايرك ، وغيرهم ، خائفين منه مستوحشين ، ومعهم عدد كثير ، وانضاف إليهم
nindex.php?page=showalam&ids=15862دبيس بن صدقة .
وأرسلوا إلى الخليفة يطلبون منه الأمان ليحضروا خدمته ، فقيل : إنها مكيدة لأن
دبيسا معهم ، وساروا نحو
خوزستان ، واتفقوا مع
برسق بن برسق ، فأرسل الخليفة إليهم
سديد الدولة بن الأنباري بتوقيعات إلى الأمراء المذكورين بتطييب نفوسهم ، والأمر بحضورهم .
وكان الأمراء المذكورون قد عزموا على قبض
دبيس ، والتقرب إلى الخليفة بحمله إليه ، فبلغه ذلك فهرب إلى
السلطان مسعود .
وسار الأمراء إلى
بغداد في رجب ، فأكرمهم الخليفة ، وحمل إليهم الإقامات والخلع ، وقطعت خطب
السلطان مسعود من
بغداد ، وبرز
الخليفة في العشرين من رجب على عزم المسير إلى قتال
مسعود ، وأقام في
الشفيعي ، فعصى عليه بكبه صاحب
البصرة فهرب إليها ، فراسله وبذل له الأمان فلم يعد إليه .
وتريث الخليفة عن المسير ، وهؤلاء الأمراء يحسنون له الرحيل ، ويسهلون عليه الأمر ، ويضعفون عنده أمر
السلطان مسعود ، فسير مقدمته إلى
حلوان فنهبوا البلاد وأفسدوا ، ولم ينكر عليهم أحد شيئا ، ثم سار الخليفة ثامن شعبان ، ولحق به في الطريق
الأمير برسق بن برسق فبلغت عدتهم سبعة آلاف فارس ، وتخلف
بالعراق مع إقبال خادم
المسترشد بالله ثلاثة آلاف فارس .
وكان
السلطان مسعود بهمذان في نحو ألف وخمسمائة فارس ، وكان أكثر أصحاب الأطراف يكاتبون الخليفة ، ويبذلون له الطاعة ، فتريث في طريقه ، فاستصلح
السلطان مسعود أكثرهم حتى صاروا في نحو خمسة عشر ألف فارس ، وتسلل جماعة كثيرة من عسكر الخليفة حتى بقي في خمسة آلاف ، وأرسل
أتابك زنكي نجدة فلم تلحق .
[ ص: 63 ] وأرسل
الملك داود ابن السلطان محمود وهو
بأذربيجان إلى الخليفة يشير بالميل إلى
الدينور ليحضر بنفسه وعسكره ، فلم يفعل
المسترشد ذلك ، وسار حتى بلغ
دايمرج ، وعبأ أصحابه ، فجعل في الميمنة
يرنقش بازدار ونور الدولة سنقر ، وقزل آخر ،
وبرسق بن برسق ، وجعل في المسيرة
جاولي وبرسق شراب سلار ، وأغلبك الذي كان الخليفة قد قبض عليه وأخرجه من محبسه .
ولما بلغ
السلطان مسعودا خبرهم سار إليهم مجدا ، فواقعهم
بدايمرج عاشر رمضان ، وانحازت ميسرة الخليفة مخامرة عليه إلى
السلطان مسعود فصارت معه ، واقتتلت ميمنته وميسرة السلطان قتالا ضعيفا ، ودار به عسكر السلطان وهو ثابت لم يتحرك من مكانه ، وانهزم عسكره ، وأخذ هو أسيرا ، ومعه جمع كثير من أصحابه ، منهم
nindex.php?page=showalam&ids=13317الوزير شرف الدين علي بن طراد الزينبي ، وقاضي القضاة ، وصاحب
المخزن ابن طلحة ،
nindex.php?page=showalam&ids=12590وابن الأنباري ، والخطباء ، والفقهاء ، والشهود ، وغيرهم ، وأنزل الخليفة في خيمة ، وغنموا ما في معسكره وكان كثيرا ، فحمل الوزير ، وقاضي القضاة ،
nindex.php?page=showalam&ids=12590وابن الأنباري ، وصاحب المخزن ، وغيرهم من الأكابر إلى قلعة
سرجهان ، وباعوا الباقين بالثمن الطفيف ، ولم يقتل في هذه المعركة أحد ، وهذا من أعجب ما يحكى .
وعاد السلطان إلى
همذان ، وأمر فنودي :
من تبعنا إلى
همذان من
البغداديين قتلناه ، فرجع الناس كلهم على أقبح حالة لا يعرفون طريقا ، وليس معهم ما يحملهم ، وسير
السلطان الأمير بك أبه المحمودي إلى
بغداد شحنة فوصلها سلخ رمضان ومعه عبيد ، فقبضوا جميع أملاك الخليفة ، وأخذوا غلاتها .
وثار جماعة من عامة
بغداد ، فكسروا المنبر والشباك ، ومنعوا من الخطبة ، وخرجوا إلى الأسواق يحثون التراب على رءوسهم ويبكون ويصيحون ، وخرجت النساء حاسرات في الأسواق يلطمن ، واقتتل أصحاب الشحنة ، وعامة
بغداد ، فقتل من العامة ما يزيد على مائة وخمسين قتيلا ، وهرب الوالي وحاجب الباب .
وأما السلطان فإنه سار في شوال من
همذان إلى مراغة لقتال
الملك داود ابن
[ ص: 64 ] أخيه
محمود ، وكان قد عصى عليه ، فنزل على فرسخين من
مراغة والمسترشد معه ، فترددت الرسل بين الخليفة وبين السلطان في الصلح ، فاستقرت القاعدة على ما نذكره إن شاء الله ، والله الموفق .