ذكر
الفتنة بدمشق
في هذه السنة وقعت الفتنة
بدمشق بين صاحبها والجند .
وسبب ذلك أن الحاجب
يوسف بن فيروز كان أكبر حاجب عند أبيه وجده ، ثم إنه خاف أخاه
شمس الملوك وهرب منه إلى
تدمر ، فلما كانت هذه السنة سأل أن يحضر إلى
دمشق ، وكان يخاف جماعة المماليك ؛ لأنه كان أساء إليهم وعاملهم أقبح معاملة ، فكلهم عليه حنق ، لا سيما في الحادثة التي خرج فيها
شمس الملوك وقد تقدمت ، فإنه أشار بقتل جماعة أبرياء وبقتل
سونج بن تاج الملوك ، فصاروا كلهم أعداء مبغضين .
فلما طلب الآن الحضور إلى
دمشق أجيب إلى ذلك .
فأنكر جماعة الأمراء والمماليك قربه ، وخافوه أن يفعل بهم مثل فعله الأول ، فلم يزل يتوصل معهم حتى حلف لهم واستحلفهم ، وشرط على نفسه أنه لا يتولى من الأمور شيئا .
ثم إنه جعل يدخل نفسه في كثير من الأمور ، فاتفق أعداؤه على قتله ، فبينما هو يسير مع
شمس الملوك في الميدان ، وإلى جانبه
أمير اسمه بزاوش يحادثه ، إذ ضربه
بزاوش بالسيف فقتله ، فحمل ودفن عند تربة والده
بالعقيبة .
ثم إن
بزاوش والمماليك خافوا
شمس الملوك ، فلم يدخلوا البلد ، ونزلوا بظاهره ، وأرسلوا يطلبون قواعد استطالوا فيها ، فأجابهم إلى البعض ، فلم يقبلوا منه ، ثم ساروا إلى بعلبك وبها
شمس الدولة محمد بن تاج الملوك صاحبها ، فصاروا معه ، فالتحق بهم كثير من التركمان وغيرهم ، وشرعوا في العيث والفساد ، واقتضت الحال مراسلتهم وملاطفتهم وإجابتهم إلى ما طلبوا ، واستقرت الحال على ذلك ، وحلف كل منهم لصاحبه ، فعادوا إلى ظاهر
دمشق ولم يدخلوا البلد .
[ ص: 75 ] وخرج
شهاب الدين صاحب
دمشق إليهم ، واجتمع بهم ، وتجددت الأيمان ، وصار
بزاوش مقدم العسكر ، وإليه الحل والعقد ، وذلك في شعبان ، وزال الخلف ودخلوا البلد ، والله أعلم .