ذكر
حصر الفرنج قرطبة ورحيلهم عنها
في هذه السنة سار
السليطين ، وهو الأذفونش ، وهو ملك
طليطلة وأعمالها ، وهو من ملوك
الجلالقة نوع من
الفرنج ، في أربعين ألف فارس إلى مدينة
قرطبة ، فحصرها ، وهي في ضعف وغلاء ، فبلغ الخبر إلى
عبد المؤمن وهو
بمراكش ، فجهز عسكرا كثيرا ، وجعل مقدمهم
أبا زكرياء يحيى بن يرموز ونفذهم إلى
قرطبة ، فلما قربوا منها لم يقدروا أن يلقوا عسكر
السليطين في الوطاء ، وأرادوا الاجتماع بأهل
قرطبة ليمنعوها لخطر العاقبة بعد القتال ، فسلكوا الجبال الوعرة ، والمضايق المتشعبة ، فساروا نحو خمسة وعشرين يوما في الوعر في مسافة أربعة أيام في السهل ، فوصلوا إلى جبل مطل على
قرطبة ، فلما رآهم
السليطين وتحقق أمرهم رحل عن
قرطبة .
وكان [ فيها ] القائد
أبو الغمر السائب من ولد القائد ابن غلبون ، وهو من أبطال أهل
الأندلس وأمرائها ، فلما رحل
الفرنج خرج منها لوقته وصعد إلى
ابن يرموز ، وقال له : انزلوا عاجلا وادخلوا البلد ; ففعلوا ، وباتوا فيها ، فلما أصبحوا من الغد رأوا عسكر
السليطين على رأس الجبل الذي كان فيه عسكر
عبد المؤمن ، فقال لهم
أبو الغمر : هذا الذي خفته عليكم لأني علمت أن
السليطين ما أقلع إلا طالبا لكم ، فإن من الموضع الذي كان فيه إلى الجبل طريقا سهلة ، ولو لحقكم هناك لنال مراده منكم ومن
قرطبة ; فلما رأى
السليطين أنهم قد فاتوه علم أنه لم يبق له طمع في
قرطبة ; فرحل عائدا إلى بلاده ، وكان حصره
لقرطبة ثلاثة أشهر ، والله أعلم .