ذكر
الحرب بين العرب وعساكر عبد المؤمن
في هذه السنة في صفر ، كانت الحرب بين عسكر
عبد المؤمن والعرب عند مدينة
سطيف .
وسبب ذلك أن العرب ، وهم
بنو هلال والأبتح وعدي ورياح وزعب ، وغيرهم من العرب ، لما ملك
عبد المؤمن بلاد
بني حماد اجتمعوا من أرض
طرابلس إلى أقصى المغرب ، وقالوا : إن جاورنا
عبد المؤمن أجلانا من
المغرب ، وليس الرأي إلا إلقاء الجد معه ، وإخراجه من البلاد قبل أن يتمكن .
[ ص: 207 ] وتحالفوا على التعاون والتضافر ، وأن لا يخون بعضهم بعضا ، وعزموا على لقائه بالرجال والأهل والمال ليقاتلوا قتال الحريم .
واتصل الخبر بالملك
رجار الفرنجي ، صاحب
صقلية ، فأرسل إلى أمراء العرب ، وهم
محرز بن زياد ،
وجبارة بن كامل ،
وحسن بن ثعلب ،
وعيسى بن حسن وغيرهم ، يحثهم على لقاء
عبد المؤمن ، ويعرض عليهم أن يرسل إليهم خمسة آلاف فارس من
الفرنج يقاتلون معهم على شرط أن يرسلوا إليه الرهائن ; فشكروه وقالوا : ما بنا حاجة إلى نجدته ، ولا نستعين بغير المسلمين .
وساروا في عدد لا يحصى ، وكان
عبد المؤمن قد رحل من
بجاية إلى بلاد
المغرب ، فلما بلغه خبرهم جهز جيشا من
الموحدين يزيد على ثلاثين ألف فارس ، واستعمل عليهم
عبد الله بن عمر الهنتاني ،
وسعد الله بن يحيى ، وكان العرب أضعافهم ، فاستجرهم
الموحدون ، وتبعهم العرب إلى أن وصلوا إلى أرض
سطيف ، بين جبال ، فحمل عليهم عسكر
عبد المؤمن ، فجاءه والعرب على غير أهبة ، والتقى الجمعان ، واقتتلوا أشد قتال وأعظمه ، فانجلت المعركة عن انهزام العرب ونصرة
الموحدين .
وترك العرب جميع ما لهم من أهل ومال وأثاث ونعم ، فأخذ
الموحدون جميع ذلك ، وعاد الجيش إلى
عبد المؤمن بجميعه ، فقسم جميع الأموال على عسكره ، وترك النساء والأولاد تحت الاحتياط ، ووكل بهم من الخدم الخصيان من يخدمهم ويقوم بحوائجهم ، وأمر بصيانتهم ، فلما وصلوا معه إلى
مراكش أنزلهم في المساكن الفسيحة ، وأجرى لهم النفقات الواسعة ، وأمر
عبد المؤمن ابنه
محمدا أن يكاتب أمراء العرب ، ويعلمهم أن نساءهم وأولادهم تحت الحفظ والصيانة ، وأمرهم أن يحضروا ليسلم إليهم أبوه ذلك جميعه ، وأنه قد بذل لهم الأمان والكرامة .
فلما وصل كتاب
محمد إلى العرب سارعوا إلى المسير إلى
مراكش ، فلما وصلوا إليها أعطاهم
عبد المؤمن نساءهم وأولادهم وأحسن إليهم وأعطاهم أموالا جزيلة ، فاسترق قلوبهم بذلك ، وأقاموا عنده ، وكان بهم حفيا ، واستعان بهم على
[ ص: 208 ] ولاية ابنه
محمد للعهد ، على ما نذكره سنة إحدى وخمسين [ وخمسمائة ] .