ذكر
معاودة الغز الفتنة بخراسان كان
الأتراك الغزية قد أقاموا
ببلخ واستوطنوها ، وتركوا النهب والقتل ببلاد
خراسان ، واتفقت الكلمة بها على طاعة
السلطان خاقان محمود بن أرسلان ، وكان المتولي لأمور دولته
المؤيد أي أبه ، وعن رأيه يصدر
محمود .
فلما كان هذه السنة في شعبان سار
الغز من
بلخ إلى
مرو ، وكان
السلطان محمود بسرخس في العساكر ، فسار
المؤيد في طائفة من العسكر إليهم ، فأوقع بطائفة منهم ، وظفر بهم ، ولم يزل يتبعهم إلى أن دخلوا إلى
مرو أوائل رمضان ، وغنم من أموالهم ، وقتل كثيرا وعاد إلى
سرخس ، فاتفق هو
والسلطان محمود على قصد
الغز وقتالهم ، فجمعا العساكر وحشدا ، وسارا إلى
الغز ، فالتقوا سادس شوال من هذه السنة ، وجرت بينهم حرب طال مداها ، فبقوا يقتتلون [ من ] يوم الإثنين تاسع شوال إلى نصف الليل من ليلة الأربعاء الحادي عشر من الشهر ، تواقعوا عدة وقعات متتابعة ، ولم يكن بينهم راحة ، ولا نزول ، إلا لما لا بد منه ; انهزم
الغز فيها ثلاث دفعات ، وعادوا إلى الحرب .
فلما أسفر الصبح يوم الأربعاء انكشفت الحرب عن هزيمة عساكر
خراسان وتفرقهم في البلاد ، وظفر
الغز بهم ، وقتلوا فأكثروا فيهم ، وأما الجرحى والأسرى فأكثر من ذلك .
[ ص: 249 ] وعاد
المؤيد ومن سلم معه إلى
طوس ، فاستولى
الغز على
مرو ، وأحسنوا السيرة ، وأكرموا العلماء والأئمة مثل
تاج الدين أبي سعيد السمعاني ، وشيخ الإسلام
علي البلخي وغيرهما ; وأغاروا على
سرخس ، وخربت القرى ، وجلا أهلها ، وقتل من
أهل سرخس نحو عشرة آلاف قتيل ، ونهبوا
طوس أيضا وقتلوا أهلها إلا القليل وعادوا إلى
مرو .
وأما
السلطان محمود بن محمد الخان والعساكر التي معه فلم يقدروا على المقام
بخراسان من
الغز ، فساروا إلى
جرجان ينتظرون ما يكون من
الغز ; فلما دخلت سنة أربع وخمسين وخمسمائة أرسل
الغز إلى
السلطان محمود يسألونه أن يحضر عندهم ليملكوه أمرهم ، فلم يثق بهم وخافهم على نفسه ، فأرسلوا يطلبون منه أن يرسل ابنه
جلال الدين محمدا إليهم ليملكوه أمرهم ، ويصدروا عن أمره ونهيه في قليل الأمور وكثيرها ، وترددت الرسل واحتاط
السلطان محمود لولده بالعهد والمواثيق ، وتقرير القواعد ، ثم سيره من
جرجان إلى
خراسان ، فلما سمع الأمراء الغزية بقدومه ساروا من
مرو إلى طريقه ، فالتقوه
بنيسابور ، وأكرموه وعظموه ، ودخل
نيسابور ، واتصلت به العساكر الغزية ، واجتمعوا عنده في الثالث والعشرين من ربيع الآخر سنة أربع وخمسين وخمسمائة .
ثم إن
السلطان محمودا سار من
جرجان إلى
خراسان في الجيوش التي معه من الأمراء السنجرية ، وتخلف عنه
المؤيد أي أبه ، فوصل إلى حدود
نسا وأبيورد ، وأقطع
نسا لأمير اسمه
عمر بن حمزة النسوي ، فقام في حفظها المقام المرضي ، ومنع عنها أيدي المفسدين ، وأقام
السلطان محمود بظاهر
نسا حتى جمادى الآخرة من السنة .
ولما كان
الغز بنيسابور هذه السنة أرسلوا إلى
أهل طوس يدعونهم إلى الطاعة والموافقة ، فامتنع
أهل رايكان من إجابتهم إلى ذلك ، واغتروا بسور بلدهم وبما عندهم من الشجاعة والقوة والعدة الوافرة والذخائر الكثيرة ، فقصدها طائفة من
الغز [ ص: 250 ] وحصروهم ، وملكوا البلد ، وقتلوا فيهم ونهبوا وأكثروا ، ثم عادوا إلى
نيسابور ، وساروا مع
جلال الدين محمد ابن السلطان محمود الخان إلى
بيهق ، وحصروا
سابزوار سابع عشر جمادى الآخرة سنة أربع وخمسين وخمسمائة ، فامتنع أهلها عليهم وقام بأمرهم
النقيب عماد الدين علي بن محمد بن يحيى العلوي الحسيني ، نقيب العلويين ، واجتمعوا معه ، ورجعوا إلى أمره ونهيه ، ووقفوا عند إشارته ، فامتنعوا على
الغز ، وحفظوا البلد منهم ، وصبروا على القتال .
فلما رأى
الغز امتناعهم عليهم وقوتهم أرسلوا إليهم يطلبون الصلح ، فاصطلحوا ، ولم يقتل من
أهل سابزوار في تلك الحروب غير رجل واحد ، ورحل
الملك جلال الدين والغز عن
سابزوار في السابع والعشرين من جمادى الآخرة سنة أربع وخمسين وخمسمائة ، وساروا إلى
نسا وأبيورد .