[ ص: 305 ] 559
ثم دخلت سنة تسع وخمسين وخمسمائة
ذكر
مسير شيركوه وعساكر نور الدين إلى ديار مصر وعودهم عنها
في هذه السنة في جمادى الأولى ، سير
nindex.php?page=showalam&ids=17217نور الدين محمود بن زنكي عسكرا كثيرا إلى
مصر ، وجعل عليهم الأمير
nindex.php?page=showalam&ids=16184أسد الدين شيركوه بن شاذي ، وهو مقدم عسكره ، وأكبر أمراء دولته ، وأشجعهم ، وسنذكر سنة أربع وستين [ وخمسمائة ] سبب اتصاله
بنور الدين وعلو شأنه عنده إن شاء الله تعالى .
وكان سبب إرسال هذا الجيش أن
شاور وزير العاضد لدين الله العلوي ، صاحب
مصر ، نازعه في الوزارة
ضرغام ، وغلب عليها ، فهرب
nindex.php?page=showalam&ids=16086شاور منه إلى
الشام ، ملتجئا إلى
نور الدين ، ومستجيرا به ، فأكرم مثواه ، وأحسن إليه ، وأنعم عليه ، وكان وصوله في ربيع الأول من السنة ، وطلب منه إرسال العساكر معه إلى
مصر ليعود إلى منصبه ، ويكون
لنور الدين ثلث دخل البلاد بعد إقطاعات العساكر ، ويكون
شيركوه مقيما بعساكره في
مصر ، ويتصرف هو بأمر
نور الدين واختياره ، فبقي
نور الدين يقدم إلى هذا الغرض رجلا ويؤخر أخرى ، فتارة يحمله رعاية لقصد
nindex.php?page=showalam&ids=16086شاور بابه ، وطلب الزيادة في الملك والتقوي على
الفرنج ، وتارة يمنعه خطر الطريق ، وأن
الفرنج فيه ، وتخوف أن
nindex.php?page=showalam&ids=16086شاور إن استقرت قاعدته ربما لا يفي .
ثم قوى عزمه على إرسال الجيوش ، فتقدم بتجهيزها وإزاحة عللها ، وكان هوى
أسد الدين في ذلك ، وعنده من الشجاعة وقوة النفس ما لا يبالي بمخافة ، فتجهز ، وساروا جميعا
وشاور في صحبتهم ، في جمادى الأولى من سنة تسع وخمسين [ وخمسمائة ] ، وتقدم
نور الدين إلى
شيركوه أن يعيد
nindex.php?page=showalam&ids=16086شاور إلى منصبه ، وينتقم له ممن نازعه فيه .
[ ص: 306 ] وسار
نور الدين إلى طرف بلاد
الفرنج مما يلي
دمشق بعساكره ليمنع
الفرنج من التعرض
لأسد الدين ومن معه ، فكان قصارى
الفرنج حفظ بلادهم من
نور الدين ، ووصل
أسد الدين والعساكر معه إلى مدينة
بلبيس ، فخرج إليهم
ناصر الدين أخو ضرغام بعسكر المصريين ولقيهم ، فانهزم وعاد إلى
القاهرة مهزوما .
ووصل
أسد الدين فنزل على
القاهرة أواخر جمادى الآخرة ، فخرج
ضرغام من
القاهرة سلخ الشهر ، فقتل عند مشهد
nindex.php?page=showalam&ids=17214السيدة نفيسة ، وبقي يومين ، ثم حمل ودفن في القرافة ، وقتل أخوه فارس المسلمين ، وخلع على
nindex.php?page=showalam&ids=16086شاور مستهل رجب ، وأعيد إلى الوزارة ، وتمكن منها ، وأقام
أسد الدين بظاهر
القاهرة ، فغدر به
nindex.php?page=showalam&ids=16086شاور ، وعاد عما كان قرره
لنور الدين من
البلاد المصرية ،
ولأسد الدين أيضا ، وأرسل إليه يأمره بالعود إلى
الشام ، فأعاد الجواب بالامتناع ، وطلب ما كان قد استقر بينهم ، فلم يجبه
nindex.php?page=showalam&ids=16086شاور إليه ، فلما رأى ذلك أرسل نوابه ، فتسلموا مدينة
بلبيس ، وحكم على البلاد الشرقية ، فأرسل
nindex.php?page=showalam&ids=16086شاور إلى
الفرنج يستمدهم ويخوفهم من
نور الدين إن ملك
مصر .
وكان
الفرنج قد أيقنوا بالهلاك إن تم ملكه لها ، فلما أرسل
nindex.php?page=showalam&ids=16086شاور يطلب منهم أن يساعدوه على إخراج
أسد الدين من البلاد جاءهم فرج لم يحتسبوه ، وسارعوا إلى تلبية دعوته ونصرته ، وطمعوا في ملك
الديار المصرية ، وكان قد بذل لهم مالا على المسير إليه ، وتجهزوا وساروا ، فلما بلغ
نور الدين ذلك سار بعساكره إلى أطراف بلادهم ; ليمتنعوا عن المسير ، فلم يمنعهم ; لعلمهم أن الخطر في مقامهم ، إذا ملك
أسد الدين مصر ، أشد ، فتركوا في بلادهم من يحفظها ، وسار ملك
القدس في الباقين إلى
مصر .
وكان قد وصل إلى الساحل جمع كثير من
الفرنج في البحر ; لزيارة
البيت المقدس ، فاستعان بهم
الفرنج الساحلية ، فأعانوهم ، فسار بعضهم معهم ، وأقام بعضهم في البلاد لحفظها ، فلما قارب
الفرنج مصر فارقها
أسد الدين ، وقصد مدينة
بلبيس ، فأقام بها هو وعسكره ، وجعلها له ظهرا يتحصن به ، فاجتمعت العساكر المصرية
والفرنج ، ونازلوا
nindex.php?page=showalam&ids=16184أسد الدين شيركوه بمدينة
بلبيس ، وحصروه بها ثلاثة أشهر ، وهو ممتنع بها مع أن سورها قصير جدا ، وليس لها خندق ، ولا فصيل يحميها ، وهو يغاديهم القتال ويرواحهم ، فلم يبلغوا منه غرضا ، ولا نالوا منه شيئا .
[ ص: 307 ] فبينما هم كذلك إذ أتاهم الخبر بهزيمة
الفرنج على
حارم وملك
نور الدين حارم ، ومسيره إلى
بانياس ، على ما نذكره إن شاء الله تعالى ، فحينئذ سقط في أيديهم ، وأرادوا العودة إلى بلادهم ; ليحفظوها ، فراسلوا
أسد الدين في الصلح والعود إلى
الشام ، ومفارقة
مصر ، وتسليم ما بيده منها إلى المصريين ، فأجابهم إلى ذلك ; لأنه لم يعلم ما فعله
نور الدين بالشام بالفرنج ، ولأن الأقوات والذخائر قلت عليه ، وخرج من
بلبيس في ذي الحجة .
فحدثني من رأى
أسد الدين حين خرج من
بلبيس ، قال : أخرج أصحابه بين يديه ، وبقي في آخرهم وبيده لت من حديد يحمي ساقتهم ، والمسلمون
والفرنج ينظرون إليه ، قال : فأتاه فرنجي من الغرباء الذين خرجوا من البحر ، فقال له : أما تخاف أن يغدر بك هؤلاء المصريون
والفرنج ، وقد أحاطوا بك وبأصحابك ، ولا يبقى لكم بقية ؟ فقال
شيركوه : يا ليتهم فعلوه حتى كنت ترى ما أفعله ، كنت والله أضع السيف ، فلا يقتل منا رجل حتى يقتل منهم رجالا ، وحينئذ يقصدهم الملك العادل
نور الدين ، وقد ضعفوا ، وفني شجعانهم ، فنملك بلادهم ، ويهلك من بقي منهم ، والله لو أطاعني هؤلاء لخرجت إليكم من أول يوم ، ولكنهم امتنعوا .
فصلب على وجهه ، وقال : كنا نعجب من فرنج هذه البلاد ومبالغتهم في صفتك وخوفهم منك ، والآن فقد عذرناهم ، ثم رجع عنه .
وسار
شيركوه إلى
الشام ، فوصل سالما ، وكان
الفرنج قد وضعوا له على مضيق في الطريق رصدا ليأخذوه أو ينالوا منه ظفرا ، فعلم بهم فعاد عن ذلك الطريق ، ففيه يقول
عمارة [ اليمني ] :
أخذتم على الإفرنج كل ثنية وقلتم لأيدي الخيل مري على مري لئن نصبوا في البر جسرا فإنكم
عبرتم ببحر من حديد على الجسر
ولفظة مري في آخر البيت الأول اسم ملك
الفرنج .