[ ص: 95 ] ذكر
عمارة البيت الحرام بمكة
قيل : ثم أمر الله
إبراهيم ببناء
البيت الحرام ، فضاق بذلك ذرعا فأرسل الله السكينة ، وهي ريح خجوج ، وهي اللينة الهبوب ، لها رأسان ، فسار معها
إبراهيم حتى انتهت إلى موضع
البيت فتطوت عليه كطي الحجفة ، فأمر
إبراهيم أن يبني حيث تستقر السكينة ، فبنى
إبراهيم .
وقيل : أرسل الله مثل الغمامة له رأس فكلمه وقال : يا
إبراهيم ، ابن على ظلي ، أو على قدري ، ولا تزد ، ولا تنقص ، فبنى . وهذان القولان نقلا عن
علي . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : الذي دله على موضع
البيت هو
جبرائيل .
فسار
إبراهيم إلى
مكة ، فلما وصلها وجد
إسماعيل يصلح نبلا له وراء
زمزم ، فقال له : يا
إسماعيل ، إن الله قد أمرني أن أبني له بيتا . قال
إسماعيل : فأطع ربك . فقال
إبراهيم : قد أمرك أن تعينني على بنائه . قال : إذن أفعل . فقام معه فجعل
إبراهيم يبنيه ،
وإسماعيل يناوله الحجارة . ثم قال
إبراهيم لإسماعيل : إيتني بحجر حسن أضعه على الركن فيكون للناس علما . فناداه
أبو قبيس : إن لك عندي وديعة ، وقيل : بل
جبرائيل أخبره بالحجر الأسود ، فأخذه ووضعه موضعه ، وكانا كلما بنيا دعوا الله :
ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم .
فلما ارتفع البنيان وضعف الشيخ عن رفع الحجارة قام على حجر ، وهو
مقام إبراهيم ، فجعل يناوله ، فلما فرغ من بناء
البيت أمره الله أن يؤذن في الناس بالحج ، فقال
إبراهيم : يا رب ، وما يبلغ صوتي ؟ قال : أذن وعلي البلاغ . فنادى : أيها الناس إن الله قد كتب عليكم الحج إلى
البيت العتيق ! فسمعه ما بين السماء والأرض وما من أصلاب
[ ص: 96 ] الرجال ، وأرحام النساء ، فأجابه من آمن ممن سبق في علم الله أن يحج إلى يوم القيامة ، فأجيب لبيك لبيك ! ثم خرج
بإسماعيل معه إلى التروية فنزل به
منى ، ومن معه من المسلمين ، فصلى بهم الظهر ، والعصر ، والمغرب ، والعشاء الآخرة ، ثم بات حتى أصبح ، فصلى بهم الفجر ، ثم سار إلى
عرفة ، فأقام بهم هناك حتى إذا مالت الشمس جمع بين الصلاتين الظهر ، والعصر ، ثم راح بهم إلى الموقف من
عرفة الذي يقف عليه الإمام ، فوقف به على الأراك ، فلما غربت الشمس دفع به ومن معه حتى أتى
المزدلفة ، فجمع بها الصلاتين المغرب ، والعشاء الآخرة ، ثم بات بها ومن معه ، حتى إذا طلع الفجر صلى الغداة ، ثم وقف على قزح حتى إذا أسفر دفع به وبمن معه يريه ، ويعلمه كيف يصنع ، حتى رمى الجمرة ، وأراه المنحر ، ثم نحر وحلق ، وأراه كيف يطوف ، ثم عاد به إلى
منى ليريه كيف رمي الجمار حتى فرغ من الحج .
وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -
أن جبرائيل هو الذي أرى إبراهيم كيف يحج ، ورواه عنه
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر .
ولم يزل
البيت على ما بناه
إبراهيم - عليه السلام - إلى أن هدمته
قريش سنة خمس وثلاثين من مولد النبي - صلى الله عليه وسلم - على ما نذكره إن شاء الله تعالى .