ذكر
ما ملكه صلاح الدين بعد الكسرة من بلاد الصالح بن نور الدين
لما انهزم
سيف الدين وعسكره ووصلوا إلى
حلب عاد
سيف الدين إلى
الموصل كما ذكرناه ، وترك
بحلب أخاه
عز الدين مسعودا في طائفة من العسكر نجدة
للملك الصالح ، وأما
صلاح الدين فإنه لما استولى على أثقال العسكر الموصلي هو وعسكره ، وغنموها واتسعوا بها وقووا ، سار إلى
بزاعة فحصرها ، وقاتله من بالقلعة ، ثم تسلمها وجعل فيها من يحفظها ، وسار إلى مدينة
منبج فحصرها آخر شوال ، وبها صاحبها
قطب الدين ينال بن حسان المنبجي وكان شديد العداوة
لصلاح الدين والتحريض عليه ، والإطماع فيه ، والطعن فيه ،
فصلاح الدين حنق عليه متهدد له ، فأما المدينة فملكها ، ولم تمتنع عليه ، وبقي القلعة وبها صاحبها قد جمع إليها الرجال والسلاح والذخائر ، فحصره
صلاح الدين وضيق عليه وزحف إلى القلعة فوصل النقابون إلى السور فنقبوها وملكوها عنوة ، وغنم العسكر الصلاحي كل ما فيها ، وأخذ صاحبها
ينال أسيرا ، فأخذ
صلاح الدين كل ماله وأصبح فقيرا لا يملك نقيرا ، ثم أطلقه
صلاح الدين فسار إلى
الموصل ، فأقطعه
nindex.php?page=showalam&ids=16756سيف الدين غازي مدينة
الرقة .
ولما فرغ
صلاح [ الدين ] من
منبج سار إلى
قلعة إعزاز فنازلها ثالث ذي القعدة من السنة ، وهي من أحصن القلاع وأمنعها ، فنازلها وحصرها ، وأحاط بها وضيق على من فيها ونصب عليها المجانيق ، وقتل عليها كثير من العسكر ، فبينما
صلاح الدين يوما في خيمة لبعض أمرائه يقال له
جاولي ، وهو مقدم الطائفة
الأسدية ، إذ وثب عليه باطني فضربه بسكين في رأسه فجرحه ، فلولا أن المغفر الزرد كان تحت القلنسوة لقتله ، فأمسك
صلاح الدين يد الباطني بيده ، إلا أنه لا يقدر على منعه من الضرب
[ ص: 418 ] بالكلية ، إنما يضرب ضربا ضعيفا ، فبقي الباطني يضربه في رقبته بالسكين ، وكان عليه كزاغند فكانت الضربات تقع في زيق الكزاغند فتقطعه ، والزرد يمنعها من الوصول إلى رقبته لبعد أجله ، فجاء أمير من أمرائه اسمه
يازكش ، فأمسك السكين بكفه ، فجرحه الباطني ، ولم يطلقها من يده إلى أن قتل الباطني ، وجاء آخر من
الإسماعيلية فقتل أيضا ، وثالث فقتل ، وركب
صلاح الدين إلى خيمته كالمذعور لا يصدق بنجاته ، ثم اعتبر جنده ، فمن أنكره أبعده ، ومن عرفه أقره على خدمته ، ولازم حصار
إعزاز ثمانية وثلاثين يوما ، كل يوم أشد قتالا مما قبله ، وكثرت النقوب فيها ، فأذعن من بها ، وسلموا القلعة إليه فتسلمها حادي عشر ذي الحجة .