ذكر عدة حوادث
في هذه السنة ، في شهر رمضان ، انكسفت الشمس جميعها ، وأظلمت الأرض حتى بقي الوقت كأنه ليل مظلم ، وظهرت الكواكب ، وكان ذلك ضحوة النهار يوم الجمعة التاسع والعشرين منه ، وكنت حينئذ صبيا بظاهر
جزيرة ابن عمر مع شيخ لنا من العلماء أقرأ عليه الحساب ، فلما رأيت ذلك خفت خوفا شديدا ، وتمسكت به ، فقوى قلبي ، وكان عالما بالنجوم أيضا ، وقال لي : الآن ترى هذا جميعه ، فانصرف سريعا .
وفيها ولى الخليفة
nindex.php?page=showalam&ids=15219المستضيء بأمر الله حجابة الباب
أبا طالب نصر بن علي الناقد ، وكان يلقب في صغره
قنبرا ، فصاروا يصيحون به ذلك إذا خرج ، فأمر الخليفة أن يركب معه جماعة من
الأتراك ويمنعوا الناس ، من ذلك ، فامتنعوا ، فلما كان قبل العيد خلع عليه ليركب في الموكب ، فاشترى جماعة من أهل
بغداد من القنابر شيئا كثيرا ، وعزموا على إرسالها في الموكب إذا رأوا
ابن الناقد ، فأنهي ذلك إلى الخليفة ، وقيل له يصير الموكب ضحكة ، فعزله وولى
ابن المعوج .
وفيها ، في ذي الحجة ، يوم العيد ، وقعت فتنة
ببغداد بين العامة وبعض
الأتراك [ ص: 421 ] بسبب أخذ جمال النحر ، فقتل بينهم جماعة ونهب شيء كثير من الأموال ، ففرق الخليفة أموالا جليلة فيمن نهب ماله .
وفيها زلزلت
بلاد العجم من حد
العراق إلى ما وراء
الري ، وهلك فيها خلق كثير ، وتهدمت دور كثيرة ، وأكثر ذلك كان
بالري وقزوين .
وفيها ، في ربيع الآخر ، استوزر
nindex.php?page=showalam&ids=16756سيف الدين غازي ، صاحب
الموصل ،
جلال الدين أبا الحسن علي بن جمال الدين محمد بن علي ، وكان أبوه
جمال الدين وزير
البيت الأتابكي ، وقد تقدمت أخباره ، وهو المشهور بالجود والإفضال ، ولما ولي
جلال الدين الوزارة ظهرت منه كفاية عظيمة ، ومعرفة تامة بقوانين الوزارة ، وله مكاتبات وعهود حسنة مدونة مشهورة ، وكان جوادا فاضلا خيرا ، عمره ، لما ولي الوزارة ، خمس وعشرون سنة .
وفيها ، في ذي الحجة ، استناب
سيف الدين أيضا عنه بقلعة
الموصل مجاهد الدين قايماز ، وفوض إليه الأمور ، وكان قبل ذلك [ فوض ] إليه الأمر بمدينة
إربل وأعمالها ، وكان - رحمه الله - من صالحي الأمراء وأرباب المعروف ، بنى كثيرا من الجوامع والخانات في الطرق ، والقناطر على الأنهار والربط وغير ذلك من أبواب البر ، وكان دائم الصدقة ، كثير الإحسان ، عادل السيرة - رحمه الله - .
وفيها قبض الخليفة على
عماد الدين صندل المقتفوي ، أستاذ الدار ، ورتب مكانه
أبا الفضل هبة الله بن علي بن الصاحب .
وفيها ، في رمضان ، قدم
شمس الدولة تورانشاه بن أيوب الذي ملك
اليمن إلى
دمشق لما سمع أن أخاه
صلاح الدين ملكها ، حن إلى الوطن والأتراب ففارق
اليمن وسار إلى
الشام ، وأرسل من الطريق إلى أخيه يعلمه بوصوله ، وكتب في الكتاب شعرا من قول
ابن المنجم المصري :
[ ص: 422 ] وإلى صلاح الدين أشكو أنني من بعده مضنى الجوانح مولع جزعا لبعد الدار منه ولم أكن
لولا هواه لبعد دار أجزع فلأركبن إليه متن عزائمي
ويخب بي ركب الغرام ويوسع ولأقطعن من النهار هواجرا
قلب النهار بحرها يتقطع ولأسرين الليل لا يسري به
طيف الخيال ولا البروق اللمع وأقدمن إليه قلبي مخبرا
أني بجسمي من قريب أتبع حتى أشاهد منه أسعد طلعة
من أفقها صبح السعادة يطلع
وفي هذه السنة ، في المحرم ، برز
صلاح الدين من
دمشق ، وقد عظم شأنه بما ملكه من بلاد
الشام ، وبكسره عسكر
الموصل ، فخافه
الفرنج وغيرهم ، وعزم على دخول بلدهم ونهبه والإغارة عليه ، فأرسلوا إليه يطلبون الهدنة معه ، فأجابهم إليها وصالحهم ، فأمر العساكر المصرية بالعود إلى
مصر والاستراحة إلى أن يعاود طلبهم ، وشرط عليهم أنه متى أرسل يستدعيهم لا يتأخرون ، فساروا إليها وأقاموا بها إلى أن استدعاهم للحرب مع
سيف الدين على ما نذكره .
[ الوفيات ] وفيها مات
nindex.php?page=showalam&ids=13882أبو الحسن علي بن عساكر البطائحي المقرئ ، وكان قد سمع الحديث الكثير ورواه ، وكان نحويا جيدا .
وفي ذي الحجة منها توفي
أبو سعد محمد بن سعيد بن محمد بن الرزاز ، سمع الحديث ورواه ، وله شعر جيد ، فمن ذلك أنه كتب إليه بعض أصدقائه مكاتبة وضمنها شعرا ، فأجابه :
يا من أياديه تغني من يعددها وليس يحصي مداها من لها يصف
عجزت عن شكر ما أوليت من كرم وصرت عبدا ولي في ذلك الشرف
أهديت منظوم شعر كله درر فكل ناظم عقد دونه يقف
إذا أتيت ببيت منه كان لنا قصرا ودر المعاني فوقه شرف
وإن أتيت أنا بيتا يناقضه أتيت لكن ببيت سقفه يكف
ما كنت منه ولا من أهله أبدا وإنما حين أدنو منه أقتطف
وقيل كانت وفاته سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة وهو الصحيح .