[ ص: 428 ] 573
ثم دخلت سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة
ذكر
انهزام صلاح الدين بالرملة
في هذه السنة ، أواخر جمادى الأولى ، سار
nindex.php?page=showalam&ids=16236صلاح الدين يوسف بن أيوب من
مصر إلى
الشام لقصد غزاة بلاد
الفرنج ، وجمع معه عساكر كثيرة وجنودا غزيرة ، فلم يزالوا يجدون السير حتى وصلوا إلى
عسقلان في الرابع والعشرين منه ، فنهبوا وأسروا وقتلوا وأحرقوا وتفرقوا في تلك الأعمال مغيرين . فلما رأوا أن
الفرنج لم يظهر لهم عسكر ولا اجتمع لهم من يحمي البلاد من المسلمين ، طمعوا ، وانبسطوا ، وساروا في الأرض آمنين مطمئنين ، ووصل
صلاح الدين إلى
الرملة ، عازما على أن يقصد بعض حصونهم ليحصره ، فوصل إلى نهر ، فازدحم الناس للعبور ، فلم يرعهم إلا
والفرنج قد أشرفت عليهم بأطلابها وأبطالها ، وكان مع
صلاح الدين بعض العسكر ، لأن أكثرهم تفرقوا في طلب الغنيمة ، فلما رآهم وقف لهم فيمن معه ، وتقدم بين يديه
تقي الدين عمر بن محمد ابن أخي
صلاح الدين ، فباشر القتال بنفسه بين يدي عمه ، فقتل من أصحابه جماعة ، وكذلك من
الفرنج ، وكان
لتقي الدين ولد اسمه
أحمد ، وهو من أحسن الشباب أول ما تكاملت لحيته فأمره أبوه بالحملة عليهم ، فحمل عليهم وقاتلهم وعاد سالما قد أثر فيهم أثرا كثيرا ، فأمره بالعودة إليهم ثانية ، فحمل عليهم فقتل شهيدا ، ومضى حميدا - رحمه الله ورضي عنه - .
وكان أشد الناس قتالا ذلك اليوم
الفقيه عيسى - رحمه الله - وتمت الهزيمة على المسلمين ، وحمل بعض
الفرنج على
صلاح الدين فقاربه حتى كاد يصل إليه ، فقتل الفرنجي بين يديه ، وتكاثر
الفرنج عليه ، فمضى منهزما ، يسير قليلا ويقف ليلحقه العسكر إلى أن دخل الليل ، فسلك البرية إلى أن مضى في نفر يسير إلى
مصر ، ولقوا
[ ص: 429 ] في طريقهم مشقة شديدة وقل عليهم القوت والماء ، وهلك كثير من دواب العسكر جوعا وعطشا وسرعة سير .
وأما العسكر الذي كانوا دخلوا بلاد
الفرنج في الغارة ، فإن أكثرهم ذهب ما بين قتيل وأسير . وكان من جملة من أسر
الفقيه عيسى الهكاري ، وهو من أعيان
الأسدية ، وكان جمع العلم والدين والشجاعة ، وأسر أيضا أخوه
الظهير ، وكانا قد سارا منهزمين فضلا الطريق ، فأخذا ومعهما جماعة من أصحابهما ، وبقوا سنين في الأسر ، فافتدى
صلاح الدين الفقيه عيسى بستين ألف دينار وجماعة كثيرة من الأسرى .
ووصل
صلاح الدين إلى
القاهرة نصف جمادى الآخرة ، ورأيت كتابا كتبه
صلاح الدين بخط يده إلى أخيه
شمس الدولة تورانشاه وهو
بدمشق ، يذكر الوقعة وفي أوله :
ذكرتك والخطي يخطر بيننا وقد نهلت منا المثقفة السمر
ويقول فيه : لقد أشرفنا على الهلاك غير مرة ، وما أنجانا الله سبحانه منه إلا لأمر يريده سبحانه :
وما ثبتت إلا وفي نفسها أمر
.