[ ص: 439 ] 575
ثم دخلت سنة خمس وسبعين وخمسمائة
ذكر
تخريب الحصن الذي بناه الفرنج عند مخاضة الأحزان كان
الفرنج قد بنوا حصنا منيعا يقارب
بانياس ، عند بيت
يعقوب - عليه السلام - بمكان يعرف
بمخاضة الأحزان ، فلما سمع
صلاح الدين بذلك سار من
دمشق إلى
بانياس ، وأقام بها ، وبث الغارات على بلاد
الفرنج ، ثم سار إلى الحصن وحصره ليخربه ثم يعود إليه عند اجتماع العساكر ، فلما نازل الحصن قاتل من به من
الفرنج ، ثم عاد عنه ، فلما دخلت سنة خمس وسبعين لم يفارق
بانياس بل أقام بها وخيله تغير على بلاد العدو .
وأرسل جماعة من عسكره مع جالبي الميرة ، فلم تشعر إلا
والفرنج مع ملكهم قد خرجوا عليهم ، فأرسلوا إلى
صلاح الدين يعرفونه الخبر [ فسار ] في العساكر مجدا [ حتى ] وافاهم وهم في القتال ، فقاتل
الفرنج قتالا شديدا ، وحملوا على المسلمين عدة حملات كادوا يزيلونهم عن مواقفهم ، ثم أنزل الله نصره على المسلمين ، وهزم المشركين ، وقتلت منهم مقتلة كثيرة ، ونجا ملكهم فريدا ، وأسر منهم كثير منهم
ابن بيرزان صاحب
الرملة ونابلس ، وهو أعظم
الفرنج محلا بعد الملك ، وأسروا أيضا أخا صاحب
جبيل ، وصاحب
طبرية ، ومقدم
الداوية ، ومقدم
الإسباتارية ، وصاحب
جينين وغيرهم من مشاهير فرسانهم وطواغيتهم ، فأما
ابن بيرزان فإنه فدى
[ ص: 440 ] نفسه بمائة ألف وخمسين ألف دينار صورية ، وإطلاق ألف أسير من المسلمين ، وكان أكثر العمل في هذا اليوم
لعز الدين فرخشاه ابن أخي
صلاح الدين ، وحكي عنه أنه قال : ذكرت في تلك الحال بيتي
nindex.php?page=showalam&ids=15155المتنبي وهما :
فإن تكن الدولات قسما فإنها لمن يرد الموت الزؤام تؤول ومن هون الدنيا على النفس ساعة
وللبيض في هام الكماة صليل
فهان الموت في عيني ، فألقيت نفسي إليه ، وكان ذلك سبب الظفر ، ثم عاد
صلاح الدين إلى
بانياس من موضع المعركة ، وتجهز للدخول إلى ذلك الحصن ومحاصرته ، فسار إليه في ربيع الأول ، وأحاط به ، وقوى طمعه بالهزيمة المذكورة في فتحه ، وبث العساكر في بلد
الفرنج للإغارة ، ففعلوا ذلك ، وجمعوا من الأخشاب والزرجون شيئا كثيرا ليجعله متارس للمجانيق ، فقال له
جاولي الأسدي ، وهو مقدم
الأسدية وأكابر الأمراء : الرأي أننا نجربهم بالزحف أول مرة ، ونذوق قتال من به ، وننظر الحال معهم ، فإن استضعفناهم ، وإلا فنصب المجانيق ما يفوت .
فقبل رأيه ، وأمر فنودي بالزحف إليه ، والجد في قتاله ، فزحفوا واشتد القتال وعظم الأمر ، فصعد إنسان من العامة بقميص خلق في باشورة الحصن وقاتل على السور لما علاه وتبعه غيره من أضرابه ، ولحق بهم الجند فملكوا الباشورة ، فصعد
الفرنج حينئذ منها إلى أسوار الحصن ليحموا نفوسهم وحصنهم إلى أن يأتيهم المدد .
وكان
الفرنج قد جمعوا
بطبرية ، فألح المسلمون في قتال الحصن ، خوفا من وصول
الفرنج إليهم وإزاحتهم عنه ، وأدركهم الليل ، فأمر
صلاح الدين بالمبيت بالباشورة إلى الغد ، ففعلوا ، فلما كان الغد أصبحوا وقد نقبوا الحصن ، وعمقوا النقب ، وأشعلوا النيران فيه ، وانتظروا سقوط السور ، فلم يسقط لعرضه ، فإنه كان تسعة أذرع بالنجاري ، يكون الذراع ذراعا ونصفا ، فانتظروه يومين فلم يسقط ، فأمر
صلاح الدين بإطفاء النار التي في النقب ، فحمل الماء وألقي عليها فطفئت ، وعاد
[ ص: 441 ] النقابون فنقبوا ، وخرقوا السور ، وألقوا فيه النار ، فسقط يوم الخميس لست بقين من ربيع الأول ، ودخل المسلمون الحصن عنوة وأسروا كل من فيه ، وأطلقوا من كان به من أسارى المسلمين ، وقتل
صلاح الدين كثيرا من أسرى
الفرنج ، وأدخل الباقين إلى
دمشق ، وأقام
صلاح الدين بمكانه حتى هدم الحصن ، وعفى أثره ، وألحقه بالأرض ، وكان قد بذل
الفرنج ستين ألف دينار مصرية ليهدموه بغير قتال ، فلم يفعلوا ظنا منهم أنه إذا بقي بناؤه تمكنوا به من كثير من بلاد الإسلام ، وأما
الفرنج فاجتمعوا
بطبرية ليحموا الحصن ، فلما أتاهم الخبر بأخذه فت في أعضادهم ، فتفرقوا إلى بلادهم .
وأكثر الشعراء فيه ، فمن ذلك قول صديقنا
النشو بن نفاذة - رحمه الله - :
هلاك الفرنج أتى عاجلا وقد آن تكسير صلبانها
ولو لم يكن قد دنا حتفها لما عمرت بيت أحزانها
وقول
nindex.php?page=showalam&ids=12748علي بن محمد الساعاتي الدمشقي :
أتسكن أوطان النبيين عصبة تمين لدى أيمانها وهي تحلف
نصحتكم والنصح للدين واجب ذروا بيت يعقوب فقد جاء يوسف