ذكر عدة حوادث
في هذه السنة هبت ريح سوداء مظلمة
بالديار الجزرية والعراق وغيرها ، وعمت
[ ص: 444 ] أكثر البلاد من الظهر إلى أن مضى من الليل ربعه ، وبقيت الدنيا مظلمة يكاد الإنسان لا يبصر صاحبه ، وكنت حينئذ
بالموصل ، فصلينا العصر والمغرب والعشاء الآخرة على الظن والتخمين ، وأقبل الناس على التضرع والتوبة والاستغفار ، وظنوا أن القيامة قد قامت ، فلما مضى مقدار ربع الليل زال ذلك الظلام والعتمة التي غطت السماء ، فنظرنا فرأينا النجوم ، فعلمنا مقدار ما مضى من الليل ، لأن الظلام لم يزدد بدخول الليل ، وكان كل من يصل من جهة من الجهات يخبر بمثل ذلك .
وفيها ، في ذي القعدة ، نزل
شمس الدولة أخو
صلاح الدين عن
بعلبك ، وطلب عوضا عنها
الإسكندرية ، فأجابه
صلاح الدين إلى ذلك وأقطع
بعلبك لعز الدين فرخشاه ابن أخيه ، فسار إليها ، وجمع أصحابه ، وأغار على بلاد
الفرنج ، حتى وصل إلى
قلعة صفد ، وهي مطلة على
طبرية ، فسبى وأسر وغنم وخرب وفعل في
الفرنج أفاعيل عظيمة .
وأما
شمس الدولة فإنه سار إلى
مصر وأقام
بالإسكندرية ، وإذا أراد الله أن يقبض رجلا بأرض جعل له إليها حاجة ، فإنه أقام بها إلى أن مات بها .
وفيها قارب الجامع الذي بناه
مجاهد الدين قايماز بظاهر
الموصل من جهة
باب الجسر الفراغ ، وأقيمت فيه الصلوات الخمس والجمعة ، وهو من أحسن الجوامع .
[ الوفيات ] وفيها
توفي أحمد بن عبد الرحمن الصوفي شيخ رباط الزوزني ، وسمع الحديث وكان يصوم الدهر .
وعبد الحق بن عبد الخالق بن يوسف ، سمع الحديث ورواه ، وهو من بيت الحديث .
والقاضي
عمر بن علي بن الخضر أبو الحسن الدمشقي ، سمع الحديث ورواه ، وولي قضاء الحريم .
وعلي بن أحمد الزيدي ، سمع الحديث الكثير ، وله وقف كتب كثيرة
ببغداد ،
[ ص: 445 ] وكان زاهدا ، خيرا ، صالحا .
ومحمد بن علي بن حمزة أبو علي الأقاسي نقيب
العلويين بالكوفة ، وكان ينشد كثيرا :
رب قوم في خلائقهم عرر قد صيروا غررا ستر المال القبيح لهم
سترى إن زال ما سترا
ومحمد بن محمد بن عبد الكريم المعروف بابن سديد الدولة الأنباري ، كاتب الإنشاء بعد أبيه .
وأبو الفتوح نصر بن عبد الرحمن الدامغاني الفقيه ، كان مناظرا أحسن المناظرة ، كثير العبادة ، ودفن عند قبر
أبي حنيفة .