[ ص: 446 ] 576
ثم دخلت سنة ست وسبعين وخمسمائة
ذكر
وفاة سيف الدين صاحب الموصل وولاية أخيه عز الدين بعده
في هذه السنة ، ثالث صفر ، توفي
سيف الدين غازي بن مودود بن زنكي ، صاحب
الموصل وديار الجزيرة ، وكان مرضه السل ، وطال به ثم أدركه في آخره سرسام ، ومات .
ومن عجيب ما يحكى أن الناس خرجوا سنة خمس وسبعين يستسقون لانقطاع الغيث وشدة الغلاء ، وخرج
سيف الدين في موكبه ، فثار به الناس وقصدوه بالاستغاثة ، وطلبوا منه أن يأمر بالمنع من بيع الخمر ، فأجابهم إلى ذلك ، فدخلوا البلد وقصدوا مساكن الخمارين ، وخربوا أبوابهم ، ودخلوها ، ونهبوها ، وأراقوا ما بها من خمور ، وكسروا الظروف ، وعملوا ما لا يحل ، فاستغاث أصحاب الدور إلى نواب السلطان ، وخصوا بالشكوى رجلا من الصالحين يقال له
أبو الفرج الدقاق ، ولم يكن له يد في الذي فعله العامة من النهب ، وما لا يجوز فعله ، إنما هو أراق الخمور ، ونهى العامة عن الذي يفعلونه ، فلم يسمعوا منه ، فلما شكا الخمارون منه أحضر بالقلعة ، وضرب على رأسه ، فسقطت عمامته ، فلما أطلق لينزل من القلعة نزل مكشوف الرأس ، فأرادوا تغطيته بعمامته ، فلم يفعل ، وقال : والله لا غطيت رأسي حتى ينتقم الله لي ممن ظلمني ! فلم يمض غير أيام حتى توفي
الدزدار الذي تولى أذاه ، ثم بعقبه مرض
سيف الدين ، واستمر إلى أن مات ، وعمره حينئذ نحو ثلاثين سنة . وكانت ولايته عشر سنين وثلاثة أشهر ، وكان حسن الصورة ، مليح الشباب ، تام القامة ، أبيض اللون وكان عاقلا وقورا ، قليل الالتفات إذا ركب وإذا جلس ، عفيفا لم يذكر عنه ما ينافي العفة .
[ ص: 447 ] وكان غيورا شديد الغيرة لا يدخل دوره غير الخدم الصغار ، فإذا كبر أحدهم منعه ، وكان لا يحب سفك الدماء ، ولا أخذ الأموال على شح فيه وجبن .
ولما اشتد مرضه أراد أن يعهد بالملك لابنه
nindex.php?page=showalam&ids=16150معز الدين سنجرشاه ، وكان عمره حينئذ اثنتي عشرة سنة ، فخاف على الدولة من ذلك لأن
nindex.php?page=showalam&ids=16236صلاح الدين يوسف بن أيوب كان قد تمكن
بالشام ، وقوي أمره ، وامتنع أخوه
عز الدين مسعود بن مودود من الإذعان لذلك والإجابة إليه ، فأشار الأمراء الأكابر
ومجاهد الدين قايماز بأن يجعل الملك بعده في
عز الدين أخيه ، لما هو عليه من كبر السن والشجاعة والعقل وقوة النفس ، وأن يعطي ابنيه بعض البلاد ، ويكون مرجعهما إلى
عز الدين عمهما والمتولي لأمرهما
مجاهد الدين قايماز ، ففعل ذلك ، وجعل الملك في أخيه ، وأعطى
جزيرة ابن عمر وقلاعها لولده
سنجرشاه وقلعة
عقر الحميدية لولده الصغير
ناصر الدين كسك .
فلما توفي
سيف الدين ملك بعده
الموصل والبلاد أخوه
عز الدين ، وكان المدبر للدولة
مجاهد الدين ، وهو الحاكم في الجميع ، واستقرت الأمور ولم يختلف اثنان .