[ ص: 450 ] ذكر
ملك يوسف بن عبد المؤمن مدينة قفصة بعد خلاف صاحبها عليه
في هذه السنة سار
أبو يعقوب يوسف بن عبد المؤمن إلى
إفريقية ، وملك
قفصة .
وكان سبب ذلك أن صاحبها
علي بن المعز بن المعتز لما رأى دخول
الترك إلى
إفريقية واستيلاءهم على بعضها ، وانقياد العرب إليهم ، طمع أيضا في الاستبداد والانفراد عن
يوسف وكان في طاعته ، فأظهر ما في نفسه وخالفه وأظهر العصيان ، ووافقه أهل
قفصة ، فقتلوا كل من كان عندهم من الموحدين أصحاب
أبي يعقوب ، وكان ذلك في شوال سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة ، فأرسل والي
بجاية إلى
يوسف بن عبد المؤمن يخبره باضطراب أمور البلاد ، واجتماع كثير من العرب إلى
قراقوش التركي الذي دخل إلى
إفريقية وقد تقدم ذكر ذلك وما جرى في
قفصة من قتل الموحدين ومساعدة أهل
قفصة صاحبهم على ذلك ، فشرع في سد الثغور التي يخافها بعد مسيره ، فلما فرغ من جميع ذلك تجهز العسكر وسار إلى
إفريقية سنة خمس وسبعين ، ونزل على مدينة
قفصة وحصرها ثلاثة أشهر ، وهي بلدة حصينة ، وأهلها أنجاد ، وقطع شجرها .
فلما اشتد الأمر على صاحبها وأهلها ، خرج منها مستخفيا لم يعرف به أحد من أهل
قفصة ولا من عسكره ، وسار إلى خيمة
يوسف ، وعرف حاجبه أنه قد حضر إلى أمير المؤمنين
يوسف ، فدخل الحاجب وأعلم
يوسف بوصول صاحب
قفصة إلى باب خيمته ، فعجب منه كيف أقدم على الحضور عنده بغير عهد ، وأمر بإدخاله عليه ، فدخل وقبل يده ، وقال : قد حضرت أطلب عفو أمير المؤمنين عني وعن أهل بلدي ، وأن يفعل ما هو أهله ، واعتذر ، فرق له
يوسف فعفا عنه وعن أهل البلد وتسلم المدينة أول سنة ست وسبعين وسير
علي بن المعز صاحبها إلى بلاد
المغرب ، فكان فيها مكرما عزيزا ، وأقطعه ولاية كبيرة ، ورتب
يوسف لقفصة طائفة من أصحابه الموحدين ، وحضر
مسعود بن زمام أمير العرب عند
يوسف أيضا ، فعفا عنه وسيره إلى
مراكش ، وسار
يوسف إلى
المهدية ، فأتاه بها رسول ملك
الفرنج ، صاحب
صقلية ،
[ ص: 451 ] يلتمس منه الصلح ، فهادنه عشر سنين ، وكانت بلاد
إفريقية مجدبة فتعذر على العسكر القوت وعلف الدواب ، فسار إلى
المغرب مسرعا ، والله أعلم .