[ ص: 454 ] ذكر
وفاة الملك الصالح وملك ابن عمه عز الدين مسعود مدينة حلب
في هذه السنة ، في رجب ، توفي
nindex.php?page=showalam&ids=16179الملك الصالح إسماعيل بن نور الدين محمود صاحب
حلب بها ، وعمره نحو تسع عشرة سنة ، ولما اشتد مرضه وصف له الأطباء شرب الخمر للتداوي ، فقال : لا أفعل حتى أستفتي الفقهاء ، فاستفتى ، فأفتاه فقيه من مدرسي الحنفية بجواز ذلك ، فقال له : أرأيت إن قدر الله تعالى بقرب الأجل أيؤخره شرب الخمر ؟ فقال [ له ] الفقيه : لا ! فقال : والله لا لقيت الله سبحانه وقد استعملت ما حرمه علي ، ولم يشربها .
فلما أيس من نفسه ، أحضر الأمراء ، وسائر الأجناد ، ووصاهم بتسليم البلد إلى ابن عمه
عز الدين مسعود بن مودود بن زنكي ، واستحلفهم على ذلك ، فقال له بعضهم : إن
عماد [ الدين ] ابن عمك أيضا ، وهو زوج أختك ، وكان والدك يحبه ويؤثره ، وهو تولى تربيته ، وليس له غير
سنجار ، فلو أعطيته البلد لكان أصلح ،
وعز الدين له [ من البلاد ] من
الفرات إلى
همذان ، ولا حاجة به إلى بلدك ، فقال له : إن هذا لم يغب عني ، ولكن قد علمتم أن
صلاح الدين قد تغلب على عامة بلاد
الشام سوى ما بيدي ، ومتى سلمت
حلب إلى
عماد الدين يعجز عن حفظها وإن ملكها
صلاح الدين لم يبق لأهلنا معه مقام ، وإن سلمتها إلى
عز الدين أمكنه حفظها بكثرة عساكره وبلاده .
فاستحسنوا قوله وعجبوا من جودة فطنته مع شدة مرضه وصغر سنه .
ثم مات ، وكان حليما كريما ، عفيف اليد والفرج واللسان ، ملازما للدين ، لا
[ ص: 455 ] يعرف له شيء مما يتعاطاه الملوك والشباب من شرب خمر أو غيره ، حسن السيرة في رعيته عادلا فيهم .
ولما قضى نحبه أرسل الأمراء إلى
أتابك عز الدين يستدعونه إلى
حلب ، فسار هو
ومجاهد الدين قايماز إلى
الفرات ، وأرسل فأحضر الأمراء عنده من
حلب ، فحضروا ، وساروا جميعا إلى
حلب ، ودخلها في العشرين من شعبان ، وكان
صلاح الدين حينئذ
بمصر ، ولولا ذلك لزاحمهم عليها وقاتلهم ، فلما اجتاز في طريقه إليها من
الفرات كان
تقي الدين عمر ابن أخي
صلاح الدين بمدينة
منبج ، فسار عنها هاربا إلى
حماة ، وثار أهل
حماة ، ونادوا بشعار
عز الدين ، فأشار عسكر
حلب على
عز الدين بقصد
دمشق ، وأطمعوه فيها وفي غيرها من بلاد
الشام ، وأعلموه محبة أهلها له ولأهل بيته ، فلم يفعل ، وقال : بيننا يمين فلا نغدر به ، وأقام
بحلب عدة شهور ، ثم سار عنها إلى
الرقة . ]