ذكر
عبور صلاح الدين الفرات وملكه ديار الجزيرة
في هذه السنة عبر
صلاح الدين الفرات إلى
الديار الجزرية وملكها .
[ ص: 462 ] وسبب ذلك أن
nindex.php?page=showalam&ids=16140مظفر الدين كوكبري بن زين الدين علي بن بكتكين وهو مقطع
حران كان قد أقطعه إياها
عز الدين أتابك ، المدينة والقلعة ، ثقة به واعتمادا عليه ، أرسل إلى
صلاح الدين وهو يحاصر
بيروت يعلمه أنه معه محب لدولته ، ووعده النصرة له إذا عبر
الفرات ، ويطمعه في البلاد ويحثه على الوصول إليها ، فسار
صلاح الدين عن
بيروت ، ورسل
مظفر الدين تترى إليه يحثه على المجيء ، فجد
صلاح الدين السير مظهرا أنه يريد حصر
حلب سترا للحال .
فلما قارب
الفرات سار إليه
مظفر الدين فعبر
الفرات واجتمع به وعاد معه فقصد
البيرة ، وهي قلعة منيعة على
الفرات من الجانب الجزري ، وكان صاحبها قد سار مع
صلاح الدين ، وفي طاعته ، وقد ذكرنا سبب ذلك قبل ، فعبر هو وعسكره
الفرات على الجسر الذي عند
البيرة .
وكان
عز الدين صاحب
الموصل ومجاهد الدين لما بلغهما وصول
صلاح الدين إلى
الشام قد جمعا العسكر وسارا إلى
نصيبين ليكونا على أهبة واجتماع لئلا يتعرض
صلاح الدين إلى
حلب ، ثم تقدما إلى دارا ، فنزلا عندها ، فجاءهما أمر لم يكن في الحساب ، فلما بلغهما عبور
صلاح الدين الفرات عادا إلى
الموصل وأرسلا إلى
الرها عسكرا يحميها ويمنعها ، فلما سمع
صلاح الدين ذلك قوي طمعه في البلاد ، ولما عبر
صلاح الدين الفرات كاتب الملوك أصحاب الأطراف ووعدهم ، وبذل لهم البذول على نصرته ، فأجابه
نور الدين محمد بن قرا أرسلان ، صاحب
الحصن ، إلى ما طلب منه ، لقاعدة كانت استقرت بينهما لما كان
نور الدين عنده
بالشام ، فإنه استقر الحال أن
صلاح الدين يحصر
آمد ويملكها ، ويسلمها إليه .
وسار
صلاح الدين إلى مدينة
الرها ، فحصرها في جمادى الأولى ، وقاتلها أشد قتال . فحدثني بعض من كان بها من الجند أنه عد في غلاف رمح أربعة عشر خرقا وقد خرقته السهام .
ووالى الزحف عليها ، وكان حينئذ مقطعها ، وهو الأمير
فخر الدين مسعود [ ص: 463 ] ابن الزعفراني ، فحيث رأى شدة القتال أذعن إلىالتسليم ، وطلب الأمان وسلم البلد ، وصار في خدمة
صلاح الدين ، فلما ملك المدينة زحف إلى القلعة ، فسلمها إليه الدزدار الذي بها على مال أخذه ، فلما ملكها سلمها إلى
مظفر الدين مع
حران ، ثم سار عنها ، على
حران ، إلى
الرقة ، فلما وصل إليها كان بها مقطعها
قطب الدين ينال بن حسان المنبجي ، فسار عنها إلى
عز الدين أتابك ، وملكها
صلاح الدين وسار إلى
الخابور ،
قرقيسيا ،
وماكسين وعرايان ، فملك جميع ذلك .
فلما استولى على
الخابور جميعه سار إلى
نصيبين ، فملك المدينة لوقتها ، وبقيت القلعة ، فحصرها عدة أيام ، فملكها أيضا ، وأقام بها ليصلح شأنها ، ثم أقطعها أميرا كان معه يقال له
أبو الهيجاء السمين ، وسار عنها ومعه
نور الدين صاحب
الحصن .
وأتاه الخبر أن
الفرنج قصدوا
دمشق ، ونهبوا القرى ، ووصلوا إلى
داريا ، وأرادوا تخريب جامعها ، فأرسل النائب
بدمشق إليهم جماعة من النصارى يقول لهم : إذا خربتم الجامع جددنا عمارته ، وخربنا كل بيعة لكم في بلادنا ، ولا نمكن أحدا من عمارتها ، فتركوه ، ولما وصل الخبر إلى
صلاح الدين بذلك أشار عليه من يتعصب
لعز الدين بالعود ، فقال : يخربون قرى ونملك عوضها بلادا ، ونعود نعمرها ، ونقوى على قصد بلادهم ، ولم يرجع فكان كما قال .