ذكر
فتح مدينة عكا
لما فرغ
صلاح الدين من
طبرية سار عنها يوم الثلاثاء ووصل إلى
عكا يوم
[ ص: 28 ] الأربعاء ، وقد صعد أهلها على سورها يظهرون الامتناع والحفظ ، فعجب هو والناس من ذلك لأنهم علموا أن عساكرهم من فارس وراجل بين قتيل وأسير .
وأنهم لم يسلم منهم إلا القليل ، إلا أنه نزل يومه ، وركب يوم الخميس ، وقد صمم على الزحف إلى البلد وقتاله ، فبينما هو ينظر من أين يزحف ويقاتل إذ خرج كثير من أهلها يضرعون ، ويطلبون الأمان ، فأجابهم إلى ذلك ، وأمنهم على أنفسهم وأموالهم ، وخيرهم بين الإقامة والظعن ، فاختاروا الرحيل خوفا من المسلمين ، وساروا عنها متفرقين ، وحملوا ما أمكنهم حمله من أموالهم ، وتركوا الباقي على حاله .
ودخل المسلمون إليها يوم الجمعة مستهل جمادى الأولى ، صلوا بها الجمعة في جامع كان للمسلمين قديما ، ثم جعله الفرنج بيعة ، ثم جعله
صلاح جامعا ، وهذه الجمعة أول جمعة أقيمت
بالساحل الشامي بعد أن ملكه الفرنج . وسلم البلد إلى ولده
الأفضل ، وأعطى جميع ما كان فيه
للداوية من أقطاع وضياع وغير ذلك
للفقيه عيسى .
وغنم المسلمون ما بقي مما لم يطق الفرنج حمله ، وكان من كثرته يعجز الإحصاء عنه ، فرأوا فيها من الذهب والجوهر والسقلاط ، والبندقي ، والشكر ، والسلاح ، وغير ذلك من أنواع الأمتعة كثيرا ، فإنها كانت مقصدا للتجار الفرنج والروم وغيرهم ، من أقصى البلاد وأدناها .
وكان كثير منها قد خزنه التجار ، وسافروا عنه لكساده ، فلم يكن له من ينقله ، ففرق
صلاح الدين وابنه
الأفضل ذلك جميعه على أصحابهما ، وأكثر ذلك فعله
الأفضل لأنه كان مقيما بالبلد ، وكانت شيمته في الكرم معروفة . وأقام
صلاح الدين بعكا عدة أيام لإصلاح حالها ، وتقرير قواعدها .