ذكر
فتح جبلة
لما أقام
صلاح الدين تحت
حصن الأكراد ، أتاه قاضي
جبلة ، وهو
منصور بن نبيل ، يستدعيه إليها ليسلمها إليه ، وكان هذا القاضي عند
بيمند ، صاحب
أنطاكية وجبلة ، مسموع القول مقبول الكلمة ، له الحرمة الوافرة ، والمنزلة العالية ، وهو يحكم على جميع المسلمين
بجبلة ونواحيها ، وعلى ما يتعلق
بالبيمند .
فحملته الغيرة للدين على قصد السلطان ، وتكفل له بفتح
جبلة ولاذقية والبلاد الشمالية ، فسار
صلاح الدين معه رابع جمادى الأولى ، فنزل
بأنطرطوس سادسه ، فرأى الفرنج قد أخلوا المدينة ، واحتموا في برجين حصينين ، واحد منهما قلعة حصينة ومعقل منيع ، فخرب المسلمون دورهم ومساكنهم وسور البلد ، ونهبوا ما وجدوه من ذخائرهم .
وكان
الداوية بأحد البرجين . فحصرهما
صلاح الدين فنزل إليه من في أحد البرجين بأمان وسلموه . فأمنهم ، وخرب البرج : وألقى حجارته في البحر ، وبقي الذي فيه
الداوية لم يسلموه .
وكان معهم مقدمهم الذي أسره
صلاح الدين يوم المصاف ، وكان قد أطلقه لما ملك
البيت المقدس فهو الذي حفظ هذا الحصن فخرب
صلاح الدين ولاية
أنطرطوس ، ورحل عنها وأتى
مرقية ، وقد أخلاها أهلها ، ورحلوا عنها .
[ ص: 49 ] وساروا إلى
المرقب ، وهو من حصونهم التي لا ترام ، ولا يحدث أحد نفسه بملكه لعلوه وامتناعه ، وهو
للإسبتار ، والطريق تحته فيكون الحصن على يمين المجتاز إلى
جبلة ، والبحر عن يساره ، والطريق مضيق لا يسلكه إلا الواحد بعد الواحد .
فاتفق أن صاحب
صقلية من الفرنج قد سير نجدة إلى فرنج الساحل في ستين قطعة من الشواني ، وكانوا
بطرابلس ، فلما سمعوا بمسير
صلاح الدين جاءوا ووقفوا في البحر ، تحت
المرقب ، في شوانيهم ، ليمنعوا من يجتاز بالسهام .
فلما رأى
صلاح الدين ذلك أمر بالطارقيات والجفتيات ، فصفت على الطريق مما يلي البحر من أول المضيق إلى آخره وجعل وراءها الرماة فمنعوا الفرنج من الدنو إليهم فاجتاز المسلمون عن آخرهم حتى عبروا المضيق ووصلوا إلى
جبلة ثامن عشر جمادى الأولى ، وتسلمها وقت وصوله .
وكان قاضيها قد سبق إليها ودخل ، فلما وصل
صلاح الدين رفع أعلامه على سورها وسلمها إليه ، وتحصن الفرنج الذين كانوا بها بحصنها ، واحتموا بقلعتها ، فما زال قاضي
جبلة يخوفهم ويرغبهم . حتى استنزلهم بشرط الأمان ، وأن يأخذ رهائنهم يكونون عنده إلى أن يطلق الفرنج رهائن المسلمين من أهل
جبلة .
وكان
بيمند ، صاحبها ، قد أخذ رهائن القاضي ومسلمي
جبلة وتركهم عنده
بأنطاكية ، فأخذ القاضي رهائن الفرنج فأنزلهم عنده حتى أطلق
بيمند رهائن المسلمين فأطلق المسلمون رهائن الفرنج ، وجاء رؤساء أهل الجبل إلى
صلاح الدين بطاعة أهله وهو من أمنع الجبال وأشقها مسلكا ، وفيه حصن يعرف
ببكسرائيل ، بين
جبلة ومدينة
حماة ، فملكه المسلمون ، وصار الطريق في هذا الوقت عليه من بلاد الإسلام إلى العسكر .
وكان الناس يلقون شدة في سلوكه ، وقرر
صلاح الدين أحوال
جبلة . وجعل فيها لحفظها
الأمير سابق الدين عثمان بن الداية . صاحب شيزر . وسار عنها .