ذكر
الهدنة بين المسلمين وصاحب أنطاكية
لما فتح
صلاح الدين بغراس عزم على التوجه إلى
أنطاكية وحصرها ، فخاف
البيمند صاحبها من ذلك ، وأشفق منه ، فأرسل إلى
صلاح الدين يطلب الهدنة ، وبذل إطلاق كل أسير عنده من المسلمين ، فاستشار من عنده من أصحاب الأطراف وغيرهم ، فأشار أكثرهم بإجابته إلى ذلك ليعود الناس ويستريحوا ويجددوا ما يحتاجون إليه ، فأجاب إلى ذلك .
واصطلحا ثمانية أشهر ، أولها : أول تشرين الأول ، وآخرها : آخر أيار ، وسير رسوله إلى صاحب
أنطاكية يستحلفه ، ويطلق من عنده من الأسرى .
وكان صاحب
أنطاكية ، في هذا الوقت أعظم الفرنج شأنا ، وأكثرهم ملكا ، فإن الفرنج كانوا قد سلموا إليه
طرابلس ، بعد موت
القمص ، وجميع أعمالها ، مضافا إلى ما كان له ، لأن
القمص لم يخلف ولدا ، فلما سلمت إليه
طرابلس جعل ولده الأكبر فيها نائبا عنه .
وأما
صلاح الدين فإنه عاد إلى
حلب ثالث شعبان ، فدخلها وسار منها إلى
دمشق ، وفرق العساكر الشرقية ،
كعماد الدين زنكي بن مودود صاحب
سنجار والخابور ، وعسكر
الموصل ، وغيرها ، ثم رحل من
حلب إلى
دمشق ، وجعل طريقه على قبر
nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز فزاره ، وزار الشيخ الصالح
أبا زكريا المغربي وكان مقيما هناك ، وكان من عباد الله الصالحين ، وله كرامات ظاهرة .
وكان مع
صلاح الدين الأمير عز الدين أبو الفليتة قاسم بن المهنا العلوي الحسيني وهو أمير
مدينة النبي صلى الله عليه وسلم ، كان قد حضر عنده وشهد
[ ص: 59 ] معه مشاهده وفتوحه ، وكان
صلاح الدين قد تبارك برؤيته ، وتيمن بصحبته ، وكان يكرمه كثيرا وينبسط معه ، ويرجع إلى قوله في أعماله كلها .
ودخل
دمشق أول شهر رمضان ، فأشير عليه بتفريق العساكر ، فقال : إن العمر قصير والأجل غير مأمون وقد بقي بيد الفرنج هذه الحصون :
كوكب ،
وصفد ، و
الكرك ، وغيرها ولا بد من الفراغ منها ، فإنها في وسط بلاد الإسلام ولا يؤمن شر أهلها ، وإن أغفلناهم ندمنا فيما بعد والله أعلم .