ذكر
ملك صلاح الدين يافا
لما رحل الفرنج نحو
عكا كان قد اجتمع عند
صلاح الدين عسكر
حلب وغيره ، فسار إلى مدينة
يافا ، وكانت بيد الفرنج ، فنازلها وقاتل من بها منهم ، وملكها في العشرين من رجب بالسيف عنوة ، ونهبها المسلمون ، وغنموا ما فيها ، وقتلوا الفرنج وأسروا كثيرا ، وكان بها أكثر ما أخذوه من عسكر
مصر والقفل الذي كان معهم ، وقد ذكر ذلك .
وكان جماعة من
المماليك الصلاحية قد وقفوا على أبواب المدينة ، وكل من خرج من الجند ومعه شيء من الغنيمة أخذوه منه ، فإن امتنع ضربوه وأخذوا ما معه قهرا ، ثم زحفت العساكر إلى القلعة ، فقاتلوا عليها آخر النهار ، وكادوا يأخذونها ، فطلب من بالقلعة الأمان على أنفسهم .
وخرج البطرك الكبير الذي لهم ، ومعه عدة من أكابر الفرنج ، في ذلك وترددوا ، وكان قصدهم منع المسلمين عن القتال ، فأدركهم الليل ، وواعدوا المسلمين أن ينزلوا بكرة غد ويسلموا القلعة .
فلما أصبح الناس طالبهم
صلاح الدين بالنزول عن الحصن ، فامتنعوا ، وإذا قد وصلهم نجدة من
عكا ، وأدركهم ملك
إنكلتار ، فأخرج من
بيافا من المسلمين ، وأتاه المدد من
عكا وبرز إلى ظاهر المدينة ، واعترض المسلمين وحده ، وحمل عليهم ، فلم يتقدم إليه أحد ، فوقف بين الصفين واستدعى طعاما من المسلمين ، ونزل فأكل .
فأمر
صلاح الدين عسكره بالحملة عليهم ، وبالجد في قتالهم ، فتقدم إليه بعض أمرائه يعرف
بالجناح ، وهو أخو
المشطوب بن علي بن أحمد الهكاري ، فقال له : يا
صلاح [ ص: 111 ] الدين ، قل لمماليكك الذين أخذوا أمس الغنيمة ، وضربوا الناس بالحماقات [ أن ] يتقدموا فيقاتلوا ، إذا كان القتال فنحن ، وإذا كانت الغنيمة فلهم ! فغضب
صلاح الدين من كلامه وعاد عن الفرنج .
وكان ، رحمه الله ، حليما كريما [ كثير العفو عند ] المقدرة ونزل في خيامه ، وأقام حتى اجتمعت العساكر ، وجاء إليه ابنه
الأفضل ، وأخوه
العادل ، وعساكر الشرق ، فرحل بهم إلى
الرملة لينظر ما يكون منه ، ومن الفرنج ، فلزم الفرنج
يافا ولم يبرحوا منها .