[ ص: 123 ] ذكر
وفاة أتابك عز الدين وشيء من سيرته
في هذه السنة توفي
أتابك عز الدين مسعود بن مودود بن زنكي بن آقسنقر صاحب
الموصل ،
بالموصل ، وقد ذكرنا عوده إليها مريضا ، فبقي في مرضه إلى التاسع والعشرين من شعبان ، فتوفي ، رحمه الله ، ودفن بالمدرسة التي أنشأها مقابل
دار المملكة ، وكان قد بقي ما يزيد على عشرة أيام لا يتكلم إلا بالشهادتين ، وتلاوة القرآن ، وإذا تكلم بغيرها استغفر الله ، ثم عاد إلى ما كان عليه ، فرزق خاتمة خير ، رضي الله عنه .
وكان ، رحمه الله ، خير الطبع ، كثير الخير والإحسان ، لا سيما إلى شيوخ قد خدموا أباه ، فإنه كان يتعهدهم بالبر والإحسان ، والصلة والإكرام ، ويرجع إلى قولهم ، ويزور الصالحين ، ويقربهم ويشفعهم .
وكان حليما ، قليل المعاقبة ، كثير الحياء ، لم يكلم جليسا له إلا وهو مطرق ، وما قال في شيء يسأله : لا ، حياء وكرم طبع .
وكان قد حج ، ولبس
بمكة ، حرسها الله ، خرقة التصوف : وكان يلبس تلك الخرقة كل ليلة ، ويخرج إلى مسجد قد بناه في داره ، ويصلي فيه نحو ثلث الليل ، وكان رقيق القلب ، شفيقا على الرعية .
بلغني عنه أنه قال بعض الأيام : إنني سهرت الليلة كثيرا ، وسبب ذلك أني سمعت صوت نائحة ، فظننت أن ولد فلان قد مات ، وكان قد سمع أنه مريض : قال : فضاق صدري ، وقمت من فراشي أدور في السطح ، فلما طال علي الأمر أرسلت خادما إلى
الجاندارية ، فأرسل منهم واحدا يستعلم الخبر ، فعاد وذكر إنسانا لا أعرفه ، فسكن بعض ما عندي فنمت ، ولم يكن الرجل الذي ظن أن ابنه مات من أصحابه ، إنما كان من رعيته .
كان ينبغي أن تتأخر وفاته ، وإنما قدمناها لتتبع أخباره بعضها بعضا .