ذكر
حصر العزيز دمشق ثانية وانهزامه عنها
وفي هذه السنة أيضا رجع
nindex.php?page=showalam&ids=14778الملك العزيز عثمان بن صلاح الدين من
مصر في عساكره إلى
دمشق يريد حصرها ، فعاد عنها منهزما .
وسبب ذلك أن من عنده من مماليك أبيه - وهم المعروفون بالصلاحية - :
فخر الدين جركس ، وسرا
سنقر ،
وقراجا ، وغيرهم ، كانوا منحرفين عن
الأفضل علي بن صلاح الدين لأنه كان قد أخرج من عنده منهم مثل :
ميمون القصري ،
وسنقر الكبير ،
وأيبك ، وغيرهم ، فكانوا لا يزالون يخوفون
العزيز من أخيه ، ويقولون : إن الأكراد والمماليك الأسدية من عسكر
مصر يريدون أخاك ، ونخاف أن يميلوا إليه ويخرجوك من البلاد ، والمصلحة أن نأخذ
دمشق ، فخرج في العام الماضي وعاد - كما ذكرناه - فتجهز هذه السنة ليخرج ، فبلغ الخبر إلى
الأفضل ، فسار من
دمشق إلى عمه الملك
العادل ، فاجتمع به
بقلعة جعبر ودعاه إلى نصرته ، وسار من عنده إلى
حلب ، إلى أخيه
الملك الظاهر غازي ، فاستنجد به ، وسار
الملك العادل من
قلعة جعبر إلى
دمشق ، فسبق
الأفضل إليها ، ودخلها ، وكان
الأفضل لثقته به قد أمر نوابه بإدخاله إلى القلعة ، ثم عاد
الأفضل من
حلب إلى
دمشق ووصل
الملك العزيز إلى قرب
دمشق ، [ ص: 138 ] فأرسل مقدم
الأسدية وهو
سيف الدين أيازكوش وغيره منهم ، ومن
الأكراد أبو الهيجاء السمين وغيره ، إلى
الأفضل والعادل ، بالانحياز إليهما والكون معهما ويأمرهما بالاتفاق على
العزيز والخروج من
دمشق ليسلموه إليهما .
وكان سبب الانحراف عن
العزيز وميلهم إلى
الأفضل أن
العزيز لما ملك
مصر مال إلى المماليك الناصرية وقدمهم ، ووثق بهم ، ولم يلتفت إلى هؤلاء الأمراء ، فامتعضوا من ذلك ، ومالوا إلى أخيه وأرسلوا إلى
الأفضل والعادل فاتفقا على ذلك ، واستقرت القاعدة بحضور رسل الأمراء أن
الأفضل يملك
الديار المصرية ، ويسلم
دمشق إلى عمه
الملك العادل ، وخرجا من
دمشق فانحاز إليهما من ذكرنا ، فلم يمكن
العزيز المقام ، بل عاد منهزما يطوي المراحل خوف الطلب ولا يصدق بالنجاة ، وتساقط أصحابه عنه إلى أن وصل إلى
مصر .
وأما
العادل والأفضل ، فإنهما أرسلا إلى
القدس ، وفيه نائب
العزيز ، فسلمه إليهما ، وسارا فيمن معهما من
الأسدية والأكراد إلى
مصر ، فرأى
العادل انضمام العساكر إلى
الأفضل ، واجتماعهم عليه ، فخاف أنه يأخذ
مصر ، ولا يسلم إليه
دمشق ، فأرسل حينئذ سرا إلى
العزيز يأمره بالثبات وأن يجعل بمدينة
بلبيس من يحفظها ، وتكفل بأنه يمنع
الأفضل وغيره من مقاتلة من بها ، فجعل
العزيز الناصرية ومقدمهم
فخر الدين جركس بها ومعهم غيرهم ، ووصل
العادل والأفضل إلى
بلبيس ، فنازلوا من بها من
الناصرية ، وأراد
الأفضل مناجزتهم ، أو تركهم بها والرحيل إلى
مصر ، فمنعه
العادل من الأمرين ، وقال : هذه عساكر الإسلام ، فإذا اقتتلوا في الحرب فمن يرد العدو الكافر ، وما بها حاجة إلى هذا ، فإن البلاد لك وبحكمك ومتى قصدت
مصر والقاهرة وأخذتهما قهرا زالت هيبة البلاد ، وطمع فيها الأعداء ، وليس فيها من يمنعك عنها .
وسلك معه أمثال هذا ، فطالت الأيام ، وأرسل إلى
العزيز سرا يأمره بإرسال
القاضي الفاضل ، وكان مطاعا عند البيت الصلاحي لعلو منزلته وكانت عند
صلاح الدين ، فحضر عندهما ، وأجرى ذكر الصلح ، وزاد القول ونقص ، وانفسخت العزائم ، واستقر الأمر على أن يكون
للأفضل القدس وجميع البلاد
بفلسطين وطبرية والأردن [ ص: 139 ] وجميع ما بيده ، ويكون
للعادل إقطاعه الذي كان قديما ، ويكون مقيما
بمصر عند
العزيز ، وإنما اختار ذلك لأن
الأسدية والأكراد لا يريدون
العزيز ، فهم يجتمعون معه ، فلا يقدر
العزيز منعه عما يريد ، فلما استقر الأمر على ذلك ، وتعاهدوا عاد
الأفضل إلى
دمشق وبقي
العادل بمصر عند
العزيز .