[ ص: 169 ] 596
ثم دخلت سنة ست وتسعين وخمسمائة
ذكر
ملك العادل الديار المصرية
قد ذكرنا سنة خمس وتسعين [ وخمسمائة ] ، حصر
الأفضل والظاهر ولدي
صلاح الدين دمشق ، ورحيلهما إلى رأس الماء ، على عزم المقام
بحوران إلى أن يخرج الشتاء ، فلما أقاموا برأس الماء وجد العسكر بردا شديدا ، لأن البرد في ذلك المكان في الصيف موجود ، فكيف في الشتاء ، فتغير العزم عن المقام ، واتفقوا على أن يعود كل إنسان منهم إلى بلده ، ويعودوا إلى الاجتماع ، فتفرقوا تاسع ربيع الأول ، فعاد
الظاهر وصاحب
حمص إلى بلادهما ، وسار
الأفضل إلى
مصر فوصل
بلبيس ، فأقام بها ، ووصلته الأخبار بأن عمه الملك العادل قد سار من
دمشق قاصدا
مصر ومعه المماليك الناصرية ، وقد حلفوه على أن يكون ولد الملك العزيز هو صاحب البلاد ، وهو المدبر للملك ، إلى أن يكبر ، فساروا على هذا .
وكان عسكره
بمصر قد تفرق عن
الأفضل من الخشبي ، فسار كل منهم إلى إقطاعه ليربعوا دوابهم ، فرام
الأفضل جمعهم من أطراف البلاد ، فأعجله الأمر عن ذلك ، ولم يجتمع منهم إلا طائفة يسيرة ممن قرب إقطاعه ، ووصل العادل ، فأشار بعض الناس على
الأفضل أن يخرب سور
بلبيس ويقيم
بالقاهرة ، وأشار غيرهم بالتقدم إلى أطراف البلاد ، ففعل ذلك ، فسار عن
بلبيس ، ونزل موضعا يقال له السائح إلى طرف البلاد ، وكان لقاء العادل قبل دخول البلاد سابع ربيع الآخر ، فانهزم
الأفضل ، ودخل
القاهرة ليلا .
وفي تلك الليلة توفي القاضي الفاضل
عبد الرحيم بن علي البيساني كاتب الإنشاء
لصلاح الدين ووزيره ، فحضر
الأفضل الصلاة عليه ، وسار العادل فنزل على
القاهرة وحصرها ، فجمع
الأفضل من عنده من الأمراء واستشارهم ، فرأى منهم تخاذلا ،
[ ص: 170 ] فأرسل رسولا إلى عمه في الصلح وتسليم البلاد إليه ، وأخذ العوض عنها ، وطلب
دمشق ، فلم يجبه العادل ، فنزل عنها [ إلى ] حران والرها فلم يجبه ، فنزل إلى
ميافارقين وحاني وجبل جور ، فأجابه إلى ذلك ، وتحالفوا عليه ، وخرج
الأفضل من
مصر ليلة السبت ثامن عشر ربيع الآخر ، واجتمع بالعادل ، وسار إلى
صرخد ، ودخل العادل إلى
القاهرة يوم السبت ثامن عشر ربيع الآخر .
ولما وصل
الأفضل إلى
صرخد أرسل من تسلم
ميافارقين وحاني وجبل جور ، فامتنع
نجم الدين أيوب ابن الملك العادل من تسليم
ميافارقين وسلم ما عداها ، فترددت الرسل بين
الأفضل والعادل في ذلك ، والعادل يزعم أن ابنه عصاه ، فأمسك عن المراسلة في ذلك لعلمه أن هذا فعل بأمر العادل .
ولما ثبتت قدم العادل
بمصر قطع خطبة الملك
المنصور ابن الملك العزيز في شوال من السنة ، وخطب لنفسه ، وحاقق الجند في إقطاعاتهم ، واعترضهم في أصحابهم ومن عليهم من العسكر المقرر ، فتغيرت لذلك نياتهم ، فكان ما نذكره سنة سبع وتسعين [ وخمسمائة ] - إن شاء الله - .
ذكر
وفاة خوارزم شاه
في هذه السنة ، في العشرين من رمضان ، توفي
خوارزم شاه تكش بن ألب أرسلان ، صاحب
خوارزم وبعض
خراسان والري وغيرها من البلاد الجبالية ،
بشهرستانة بين
نيسابور وخوارزم . وكان قد سار من
خوارزم إلى
خراسان ، وكان به خوانيق ، فأشار عليه الأطباء بترك الحركة ، فامتنع ، وسار ، فلما قارب شهرستانة اشتد مرضه ومات ، ولما اشتد مرضه أرسلوا إلى ابنه
قطب الدين محمد يستدعونه ، ويعرفونه شدة مرض أبيه ، فسار إليهم وقد مات أبوه ، فولي الملك بعده ، ولقب علاء
[ ص: 171 ] الدين ، لقب أبيه ، وكان لقبه قطب الدين ، وأمر فحمل أبوه ودفن
بخوارزم ( في تربة عملها في مدرسة بناها كبيرة عظيمة ) ، وكان عادلا حسن السيرة ، له معرفة حسنة وعلم ، يعرف الفقه على مذهب
أبي حنيفة ، ويعرف الأصول .
وكان ولده
علي شاه بأصفهان ، فأرسل إليه أخوه
خوارزم شاه محمد يستدعيه ، فسار إليه ، فنهب أهل
أصفهان خزانته ورحله ، فلما وصل إلى أخيه وولاه حرب أهل
خراسان ، والتقدم على جندها ، وسلم إليه
نيسابور وكان
هندوخان [ بن ] ملكشاه بن خوارزم شاه تكش يخاف عمه
محمدا ، فهرب منه ، ونهب كثيرا من خزائن جده تكش لما مات ، وكان معه ، وسار إلى
مرو .
ولما سمع
غياث الدين ملك غزنة بوفاة
خوارزم شاه أمر أن لا تضرب نوبته ثلاثة أيام ، وجلس للعزاء على ما بينهما من العداوة والمحاربة ، فعل ذلك عقلا منه ومروءة ، ثم إن هندوخان جمع جمعا كثيرا
بخراسان ، فسير إليه عمه
خوارزم شاه محمد جيشا مقدمهم جقر التركي ، فلما سمع هندوخان بمسيره هرب عن
خراسان وسار إلى
غياث الدين يستنجده على عمه ، فأكرم لقاءه وإنزاله ، وأقطعه ، ووعده النصرة ، فأقام عنده ، ودخل جقر مدينة
مرو ، وبها والدة
هندوخان وأولاده ، فاستظهر عليهم ، وأعلم صاحبه ، فأمره بإرسالهم إلى خوارزم مكرمين ، فلما سمع
غياث الدين ذلك أرسل إلى
محمد بن جربك ، صاحب الطالقان ، يأمره أن يرسل [ إلى ]
جقر يتهدده ، ففعل [ ذلك ] وسار من
الطالقان ، فأخذ
مرو الروذ ، والخمس قرى وتسمى بالفارسية بنج ده ، وأرسل إلى
جقر يأمره بإقامة الخطبة
بمرو لغياث الدين ، أو يفارق البلد ، فأعاد الجواب يتهدد
ابن جربك ويتوعده ، وكتب إليه يسأله أن يأخذ له أمانا من
غياث الدين ليحضر خدمته ، فكتب إلى
غياث الدين بذلك ، فلما قرأ كتابه ، وعلم أن
خوارزم شاه ليس له قوة ، فلهذا طلب
جقر الانحياز إليه ، فقوي طمعه في البلاد ، وكتب إلى أخيه
شهاب الدين يأمره بالخروج إلى
خراسان ليتفقا على أخذ بلاد
خوارزم شاه محمد .
[ ص: 172 ] ذكر
عدة حوادث
في هذه السنة ، في جمادى الآخرة ، وثب الملاحدة
الإسماعيلية على نظام الملك
مسعود بن علي ، وزير
nindex.php?page=showalam&ids=15839خوارزم شاه تكش ، فقتلوه ، وكان صالحا كثير الخير ، حسن السيرة ، شافعي المذهب ، بنى للشافعية
بمرو جامعا مشرفا على جامع الحنفية ، فتعصب شيخ الإسلام [
بمرو ] وهو مقدم الحنابلة بها ، قديم الرياسة ، وجمع الأوباش ، فأحرقه . فأنفذ
خوارزم شاه فأحضر شيخ الإسلام وجماعة ممن سعى في ذلك ، فأغرمهم مالا كثيرا .
وبنى الوزير أيضا مدرسة عظيمة
بخوارزم وجامعا وجعل فيها خزانة كتب ، وله آثار حسنة
بخراسان باقية ، ولما مات خلف ولدا صغيرا ، فاستوزره
خوارزم شاه رعاية لحق أبيه ، فأشير عليه أن يستعفي ، فأرسل يقول : إنني صبي لا أصلح لهذا المنصب الجليل ، فيولي السلطان فيه من يصلح له إلى أن أكبر ، فإن كنت أصلح فأنا المملوك ، فقال
خوارزم شاه : لست أعفيك ، وأنا وزيرك ، فكن مراجعي في الأمور ، فإنه لا يقف منها شيء . فاستحسن الناس هذا ، ثم إن الصبي لم تطل أيامه ، فتوفي قبل
خوارزم شاه بيسير .
[ الوفيات ]
وفي هذه السنة ، في ربيع الأول ، توفي شيخنا
nindex.php?page=showalam&ids=13466أبو الفرج عبد المنعم بن عبد الوهاب بن كليب الحراني المقيم
ببغداد وله ست وتسعون سنة وشهران ، وكان عالي الإسناد في الحديث ، وكان ثقة صحيح السماع .
وفي ربيع الآخر منها توفي القاضي
الفاضل عبد الرحيم البيساني الكاتب المشهور ، ولم يكن في زمانه أحد أحسن كتابة منه ، ودفن بظاهر
مصر بالقرافة ، وكان دينا كثير الصدقة والعبادة ، وله وقوف كثيرة على الصدقة وفك الأسارى ، وكان يكثر الحج والمجاورة مع اشتغاله بخدمة السلطان ، وكان السلطان
صلاح الدين يعظمه ويحترمه ويكرمه ، ويرجع إلى قوله ، - رحمهما الله .