ذكر
حال غياث الدين بعد قتل عمه
وأما
nindex.php?page=showalam&ids=16193غياث الدين محمود بن غياث الدين فإنه كان في إقطاعه ، وهو
بست وأسفزار ، لما قتل عمه
شهاب الدين ، وكان الملك
علاء الدين بن محمد بن أبي علي قد ولاه
شهاب الدين بلاد الغور وغيرها من أرض
الراون ، فلما بلغه قتله سار إلى
[ ص: 223 ] فيروزكوه خوفا أن يسبقه إليها
غياث الدين فيملك البلد ويأخذ الخزائن التي بها .
وكان
علاء الدين حسن السيرة من أكابر بيوت
الغورية ، إلا أن الناس كرهوه لميلهم إلى
غياث الدين ، وأنف الأمراء من خدمته مع وجود ولد
غياث الدين سلطانهم ، ولأنه كان كراميا مغاليا في مذهبه ،
وأهل فيروزكوه شافعية ، وألزمهم أن يجعلوا الإقامة مثنى ، فلما وصل إلى
فيروزكوه أحضر جماعة من الأمراء منهم :
محمد المرغني وأخوه ،
ومحمد بن عثمان - وهم من أكابر الأمراء - ، وحلفهم على مساعدته على قتال
خوارزم شاه وبهاء الدين ، صاحب
باميان ، ولم يذكر
غياث الدين احتقارا له فحلفوا له ولولده من بعده .
وكان
غياث الدين بمدينة
بست لم يتحرك في شيء انتظارا لما يكون من صاحب
باميان ، لأنهما كانا قد تعاهدا أيام
شهاب الدين أن تكون
خراسان لغياث الدين وغزنة والهند لبهاء الدين ، وكان
بهاء الدين صاحب
باميان بعد موت
شهاب الدين أقوى منه ، فلهذا لم يفعل شيئا ، فلما بلغه خبر موت
بهاء الدين جلس على التخت ، وخطب لنفسه بالسلطنة عاشر رمضان ، وحلف الأمراء الذين قصدوه ، وهم
إسماعيل الخلجي ،
وسونج أمير
أشكار ،
وزنكي بن خرجوم ،
وحسين الغوري صاحب
تكياباذ وغيرهم ، وتلقب بألقاب أبيه "
غياث الدنيا والدين " ، وكتب إلى
علاء الدين محمد بن أبي علي وهو
بفيروزكوه يستدعيه إليه ، ويستعطفه ليصدر عن رأيه ، ويسلم مملكته إليه ، وكتب إلى
الحسين بن خرميل ، والي
هراة ، مثل ذلك أيضا ، ووعده الزيادة في الإقطاع .
فأما
علاء الدين فأغلظ له في الجواب ، وكتب إلى الأمراء الذين معه يتهددهم ، فرحل
غياث الدين إلى
فيروزكوه ، فأرسل
علاء الدين عسكرا مع ولده ، وفرق فيهم مالا كثيرا ، وخلع عليهم ليمنعوا
غياث الدين ، فلقوه قريبا من
فيروزكوه ، فلما تراءى الجمعان كشف
إسماعيل الخلجي المغفر عن وجهه وقال : الحمد لله إذ
الأتراك الذين لا يعرفون آباءهم لم يضيعوا حق التربية ، وردوا ابن ملك
باميان ، وأنتم
مشايخ [ ص: 224 ] الغورية الذين أنعم عليكم والد هذا السلطان ورباكم وأحسن إليكم كفرتم الإحسان ، وجئتم تقاتلون ولده ، أهذا فعل الأحرار ؟ فقال
محمد المرغني - وهو مقدم العسكر الذين يصدرون عن رأيه - : لا والله ! ثم ترجل عن فرسه ، وألقى سلاحه ، وقصد
غياث الدين ، وقبل الأرض بين يديه ، وبكى بصوت عال ، وفعل سائر الأمراء كذلك ، فانهزم أصحاب
علاء الدين مع ولده .
فلما بلغه الخبر خرج عن
فيروزكوه هاربا نحو
الغور ، وهو يقول : أنا أمشي أجاور
بمكة فأنفذ
غياث الدين خلفه من رده إليه ، فأخذه وحبسه ، وملك
فيروزكوه ، وفرح به أهل البلد ، وقبض
غياث الدين على جماعة من أصحاب
علاء الدين الكرامية ، وقتل بعضهم .
ولما دخل
غياث الدين فيروزكوه ابتدأ بالجامع فصلى فيه ، ثم ركب إلى دار أبيه فسكنها ، وأعاد رسوم أبيه ، واستخدم حاشيته ، وقدم عليه
عبد الجبار بن محمد الكيراني وزير أبيه ، واستوزره ، وسلك طريق أبيه في الإحسان والعدل .
ولما فرغ
غياث الدين من
علاء الدين لم يكن له همة إلا
ابن خرميل بهراة واجتذابه إلى طاعته ، فكاتبه وراسله واتخذه أبا ، واستدعاه إليه .
وكان
ابن خرميل قد بلغه موت
شهاب الدين ثامن رمضان ، فجمع أعيان الناس منهم : قاضي
هراة صاعد بن الفضل السياري ،
وعلي بن عبد الخلاق بن زياد مدرس النظامية
بهراة ، وشيخ الإسلام رئيس
هراة ، ونقيب العلويين ومقدمي المحال ، وقال لهم : قد بلغني وفاة
السلطان شهاب الدين وأنا في نحر
خوارزم شاه ، وأخاف الحصار ، وأريد أن تحلفوا لي على المساعدة على كل من نازعني . فأجابه القاضي
وابن زياد : إننا نحلف على كل الناس إلا ولد
غياث الدين ، فلما وصل كتاب
غياث الدين خاف ميل الناس إليه ، فغالطه في الجواب .
وكان
ابن خرميل قد كاتب
خوارزم شاه يطلب منه أن يرسل إليه عسكرا ليصير في طاعته ويمتنع به على
الغورية ، فطلب منه
خوارزم شاه إنفاذ ولده رهينة ، ويرسل إليه عسكرا ، فسير ولده إلى
خوارزم شاه ، فكتب
خوارزم شاه إلى عسكره الذين
[ ص: 225 ] بنيسابور وغيرها من
بلاد خراسان يأمرهم بالتوجه إلى
هراة ، وأن يكونوا يتصرفون بأمر
ابن خرميل ويمتثلون أمره .
هذا
وغياث الدين يتابع الرسل إلى
ابن خرميل ، وهو يحتج بشيء بعد شيء انتظارا لعسكر
خوارزم شاه ، ولا يؤيسه من طاعته ، ولا يخطب له ، ويطيعه طاعة غير مستوية .
ثم إن الأمير
علي بن أبي علي - صاحب
كالوين - أطلع
غياث الدين على حال
ابن خرميل ، فعزم
غياث الدين على التوجه إلى
هراة ، فثبطه بعض الأمراء الذين معه ، وأشاروا عليه بانتظار آخر أمره وترك محاقته .
واستشار
ابن خرميل الناس في أمر
غياث الدين ، فقال له
علي بن عبد الخلاق بن زياد مدرس النظامية
بهراة ، وهو متولي وقوف
خراسان التي بيد
الغورية جميعها : ينبغي أن تخطب
للسلطان غياث الدين ، وتترك المغالطة ، [ فأجابه ] : إنني أخافه على نفسي فامض أنت وتوثق لي منه .
وكان قصده أن يبعده عن نفسه ، فمضى برسالته إلى
غياث الدين ، وأطلعه على ما يريد
ابن خرميل بفعله من الغدر به والميل إلى
خوارزم شاه ، وحثه على قصد
هراة ، وقال له : أنا أسلمها إليك ساعة تصل إليها ، ووافقه بعض الأمراء وخالفه غيرهم ، وقال : ينبغي أن لا تترك له حجة ، فترسل إليه تقليدا بولاية
هراة ففعل ذلك ، وسيره مع
ابن زياد وبعض أصحابه .
ثم إن
غياث الدين كاتب
أميران بن قيصر - صاحب
الطالقان - يستدعيه إليه ، فتوقف وأرسل إلى صاحب
مرو ليسير إليه ، فتوقف أيضا ، فقال له أهل البلد : إن لم تسلم البلد إلى
غياث الدين وتتوجه إليه ، وإلا سلمناك وقيدناك وأرسلناك إليه ، فاضطر إلى المجيء إلى
فيروزكوه . فخلع عليه
غياث الدين ، وأقطعه إقطاعا ، وأقطع
الطالقان سونج مملوك أبيه المعروف بأمير
أشكار .