ذكر
استيلاء خوارزم شاه على بلاد الغورية بخراسان قد ذكرنا مكاتبة
الحسين بن خرميل - والي
هراة -
خوارزم شاه ، ومراسلته في الانتماء إليه والطاعة له ، وترك طاعة
الغورية ، وخداعه
لغياث الدين ، ومغالطته له بالخطبة له والطاعة ، انتظارا لوصول عسكر
خوارزم شاه ، ووصول رسول
غياث الدين وابن زياد بالخلع إلى
ابن خرميل ، فلما وصلت الخلع إليه لبسها هو وأصحابه ، وطالبه
[ ص: 226 ] رسول
غياث الدين بالخطبة ، فقال : يوم الجمعة نخطب له .
فاتفق وقرب عسكر
خوارزم شاه منهم ، فلما كان يوم الجمعة قيل له في معنى الخطبة ، فقال : نحن في شغل أهم منها بوصول هذا العدو ، فطالت المجادلات بينهم في ذلك ، وهو مصر على الامتناع منها ، ووصل عسكر
خوارزم شاه ، فلقيهم
ابن خرميل ، وأنزلهم على باب البلد ، فقالوا له : قد أمرنا
خوارزم شاه أن لا نخالف لك أمرا ، فشكرهم على ذلك ، وكان يخرج إليهم كل يوم ، وأقام لهم الوظائف الكثيرة .
وأتاه الخبر أن
خوارزم شاه نزل على
بلخ فحاصرها ، فلقيه صاحبها ، وقاتله بظاهر البلد ، فلم ينزل بالقرب منها ، فنزل على أربعة فراسخ ، فندم
ابن خرميل على طاعة
خوارزم شاه ، وقال لخواصه : لقد أخطأنا حيث صرنا مع هذا الرجل ، فإنني أراه عاجزا .
وشرع في إعادة العسكر ، فقال للأمراء : إن
خوارزم شاه قد أرسل إلى
غياث الدين يقول له : إنني على العهد الذي بيننا ، وأنا أترك ما كان لأبيك
بخراسان ، والمصلحة أن ترجعوا حتى ننظر ما يكون ، فعادوا ، وأرسل إليهم الهدايا الكثيرة .
وكان
غياث الدين حيث اتصل به وصول عسكر
خوارزم شاه إلى
هراة ، فأخذ إقطاع
ابن خرميل ، وأرسل إلى
كرزبان ، وأخذ كل ما له بها من مال ، وأولاد ، ودواب ، وغير ذلك ، وأخذ أصحابه في القيود ، وأتاه كتب من يميل إليه من
الغورية يقولون له : إن رآك
غياث الدين قتلك .
ولما سمع
أهل هراة بما فعل
غياث الدين بأهل
ابن خرميل وماله عزموا على قبضه والمكاتبة إلى
غياث الدين بإنقاذ من يتسلم البلد ، وكتب
القاضي صاعد ، قاضي
هراة ،
وابن زياد إلى
غياث الدين بذلك ، فلما سمع
ابن خرميل بما فعله
غياث الدين بأهله ، وبما عزم عليه
أهل هراة ، خاف أن يعاجلوه بالقبض ، فحضر عند القاضي ، وأحضر أعيان البلد ، وألان لهم القول ، وتقرب إليهم ، وأظهر طاعة
غياث الدين ، وقال : قد رددت عسكر
خوارزم شاه ، وأريد [ أن ] أرسل رسولا إلى
غياث ( الدين بطاعتي ) ، والذي أوثره منكم أن تكتبوا معه كتابا بطاعتي . فاستحسنوا قوله وكتبوا
[ ص: 227 ] له بما طلب ، وسير رسوله إلى
فيروزكوه ، وأمره ، إذا جنه الليل ، أن يرجع على طريق
نيسابور ويلحق عسكر
خوارزم شاه ويجد السير ، فإذا لحقهم ردهم إليه .
ففعل الرسول ما أمره ، ولحق العسكر على يومين من
هراة ، فأمرهم بالعود ، فعادوا ، فلما كان اليوم الرابع من سير الرسول وصلوا إلى
هراة والرسول بين أيديهم ، فلقيهم
ابن خرميل ، وأدخلهم البلد والطبول تضرب بين أيديهم ، فلما دخلوا أخذ
ابن زياد الفقيه فسمله ، وأخرج
القاضي صاعدا من البلد ، فسار إلى
غياث الدين بفيروزكوه ، وأخرج من عنده من
الغورية ، وكل من يعلم أنه يريدهم ، وسلم أبواب البلد إلى
الخوارزمية .
وأما
غياث الدين فإنه برز عن
فيروزكوه نحو
هراة ، وأرسل عسكرا ، فأخذوا جشيرا كان
لأهل هراة ، فخرج
الخوارزمية ، فشنوا الغارة على
هراة الروذ وغيرها ، فأمر
غياث الدين عسكره بالتقدم إلى
هراة ، وجعل المقدم عليهم
علي بن أبي علي ، وأقام هو
بفيروزكوه لما بلغه أن
خوارزم شاه على
بلخ ، فسار العسكر وعلى يزكه
الأمير أميران بن قيصر الذي كان صاحب
الطالقان ، وكان منحرفا عن
غياث الدين حيث أخذ منه
الطالقان ، فأرسل إلى
ابن خرميل يعرفه أنه على
اليزك ، ويأمره بالمجيء إليه ، فإنه لا يمنعه ، وحلف له على ذلك .
فسار
ابن خرميل في عسكره ، فكبس عسكر
غياث الدين ، فلم يلحقوا يركبون خيولهم حتى خالطوهم ، فقتلوا فيهم ، فكف
ابن خرميل أصحابه عن
الغورية خوفا أن يهلكوا ، وغنم أموالهم وأسر
إسماعيل الخلجي ، وأقام بمكانه ، وأرسل عسكره فشنوا الغارة على البلاد
باذغيس وغيرها .
وعظم الأمر على
غياث الدين ، فعزم على المسير إلى
هراة بنفسه ، فأتاه الخبر أن
علاء الدين ، صاحب
باميان ، قد عاد إلى
غزنة - على ما نذكره - ، فأقام ينتظر ما يكون منهم ومن
ألدز .
وأما
بلخ فإن
خوارزم شاه لما بلغه قتل
شهاب الدين أخرج من كان عنده من الغوريين الذين كان أسرهم في المصاف على باب
خوارزم ، فخلع عليهم ، وأحسن
[ ص: 228 ] إليهم ، وأعطاهم الأموال ، وقال : إن
غياث الدين أخي ، ولا فرق بيني وبينه ، فمن أحب منكم المقام عندي فليقم ، ومن أحب أن يسير إليه فإنني أسيره ، ولو أراد مني مهما أراد نزلت له عنه .
وعهد إلى
محمد بن علي بن بشير ، وهو من أكابر الأمراء الغورية ، فأحسن إليه ، وأقطعه استمالة للغورية ، وجعله سفيرا بينه وبين صاحب
بلخ ، فسير أخاه
عليا شاه بين يديه في عسكره إلى
بلخ ، فلما قاربها خرج إليه
عماد الدين عمر بن الحسن الغوري أميرها ، فدفعه عن النزول عليها ، فنزل على أربعة فراسخ عنها ، فأرسل إلى أخيه
خوارزم شاه يعلمه قوتهم ، فسار إليها في ذي القعدة من السنة ، فلما وصل إلى
بلخ خرج صاحبها فقاتلهم ، فلم يقو بهم لكثرتهم ، فنزلوا فصار يوقع بهم ليلا ، فكانوا معه على أقبح صورة ، فأقام صاحب
بلخ محاصرا ، وهو ينتظر المدد من أصحابه أولاد
بهاء الدين ، صاحب
باميان ، وكانوا قد اشتغلوا عنه
بغزنة على ما نذكره .
فأقام
خوارزم شاه على
بلخ أربعين يوما ، كل يوم يركب إلى الحرب ، فيقتل من أصحابه كثير ، ولا يظفر بشيء فراسل صاحبها
عماد الدين مع
محمد بن علي بن بشير الغوري في بذل بذله له ليسلم إليه البلد ، فلم يجبه إلى ذلك ، وقال : لا أسلم البلد إلا إلى أصحابه ، فعزم على المسير إلى
هراة ، فلما سار أصحابه أولاد
بهاء الدين ، صاحب
باميان ، إلى
غزنة ، المرة الثانية - على ما نذكره إن شاء الله تعالى - وأسرهم
تاج الدين ألدز ، عاد عن ذلك العزم ، وأرسل
محمد بن علي بن بشير إلى
عماد الدين نائبه يعرفه حال أصحابه وأسرهم ، وأنه لم يبق عليه حجة ، ولا له في التأخر عنه عذر ، فدخل إليه ، ولم يزل يخدعه ، تارة يرغبه وتارة يرهبه حتى أجاب إلى طاعة
خوارزم شاه والخطبة له ، وذكر اسمه على السكة ، وقال : أنا أعلم أنه لا يفي لي ، فأرسل من يستحلفه على ما أراد ، فتم الصلح ، وخرج إلى
خوارزم شاه ، فخلع عليه ، وأعاده إلى بلده ، وكان سلخ ربيع الأول سنة ثلاث وستمائة .
ثم سار
خوارزم شاه إلى
كرزبان ليحاصرها ، وبها
علي بن أبي علي ، وأرسل إلى
غياث الدين يقول : إن هذه كان قد أقطعها عمك لابن
خرميل ، فتنزل عنها ، فامتنع ، وقال : بيني وبينكم السيف ، فأرسل إليه
خوارزم شاه مع
محمد بن علي بن بشير [ ص: 229 ] فرغبه ، وآيسه من نجدة
غياث الدين ، ولم يزل به حتى نزل عنها وسلمها ، وعاد إلى
فيروزكوه ، فأمر
غياث الدين بقتله ، فشفع فيه الأمراء ، فتركه . وسلم
خوارزم شاه كرزبان إلى
ابن خرميل ، ثم أرسل إلى
عماد الدين ، صاحب
بلخ يطلبه إليه ، ويقول : قد حضر مهم ولا غنى عن حضورك ، فأنت اليوم من أخص أوليائنا . فحضر عنده ، فقبض عليه وسيره إلى
خوارزم ، ومضى هو إلى
بلخ ، فأخذها واستناب بها
جعفرا التركي .