ذكر
عود أولاد صاحب باميان إلى غزنة قد ذكرنا قبل وصول
ألدز التركي إلى
غزنة ، وإخراجه
علاء الدين وجلال الدين ولدي
بهاء الدين سام - صاحب
باميان - منها ، بعد أن ملكها ، وأقام هو في
غزنة من عاشر رمضان سنة اثنتين وستمائة إلى خامس ذي القعدة من السنة . يحسن السيرة ، ويعدل في الرعية ، وأقطع البلاد للأجناد ، فبعضهم أقام ، وبعضهم سار إلى
غياث الدين [ ص: 230 ] بفيروزكوه ، وبعضهم سار إلى
علاء الدين - صاحب
باميان - ولم يخطب لأحد ، ولا لنفسه ، وكان يعد الناس بأن رسولي عند مولاي
غياث الدين ، فإذا عاد خطبت له ، ففرح الناس بقوله .
وكان يفعل ذلك مكرا وخديعة بهم
وبغياث الدين ، لأنه لو لم يظهر ذلك لفارقه أكثر
الأتراك وسائر الرعايا ، وكان حينئذ يضعف عن مقاومة صاحب
باميان ، فكان يستخدم
الأتراك وغيرهم بهذا القول وأشباهه .
فلما ظفر بصاحب
باميان - على ما نذكره - أظهر ما كان يضمره ، فبينما هو في هذا أتاه الخبر بقرب
علاء الدين وجلال الدين ولدي
بهاء الدين - صاحب
باميان - في العساكر الكثيرة ، وأنهم قد عزموا على نهب
غزنة ، واستباحة الأموال والأنفس ، فخاف الناس خوفا شديدا ، وجهز
ألدز كثيرا من عسكره وسيرهم إلى طريقهم ، فلقوا أوائل العسكر ، فقتل من
الأتراك [ جماعة ] ، وأدركهم العسكر ، فلم يكن لهم قوة بهم ، فانهزموا وتبعهم عسكر
علاء الدين يقتلون ويأسرون ، فوصل المنهزمون إلى
غزنة فخرج عنها
ألدز منهزما يطلب بلده
كرمان ، فأدركه بعض عسكر
باميان ، نحو ثلاثة آلاف فارس ، فقاتلهم قتالا شديدا فردهم عنه ، وأحضر من
كرمان مالا كثيرا وسلاحا ، ففرقه في العسكر .
وأما
علاء الدين وأخوه فإنهما تركا
غزنة لم يدخلاها ، وسارا في أثر
ألدز ، فسمع بهم ، فسار عن
كرمان ، فنهب الناس بعضهم بعضا ، وملك
علاء الدين كرمان . وأمنوا أهلها ، وعزموا على العود إلى
غزنة ونهبها ، فسمع أهلها بذلك ، فقصدوا
nindex.php?page=showalam&ids=15999القاضي سعيد بن مسعود وشكوا إليه حالهم ، فمشى إلى وزير
علاء الدين المعروف بالصاحب ، وأخبره بحال الناس فطيب قلوبهم ، وأخبرهم غيره ممن يثقون به أنهم مجمعون على النهب ، فاستعدوا ، وضيقوا أبواب الدروب والشوارع ، وأعدوا العرادات والأحجار ، وجاءت التجار من
العراق ،
والموصل ،
والشام ، وغيرها ، وشكوا إلى أصحاب السلطان ، فلم يشكهم أحد ، فقصدوا دار
nindex.php?page=showalam&ids=12725مجد الدين بن الربيع ، رسول الخليفة ، واستغاثوا به ، فسكنهم ، ووعدهم الشفاعة فيهم وفي أهل البلد ، فأرسل إلى أمير كبير من
الغورية يقال له
سليمان بن سيس ، وكان شيخا كبيرا يرجعون
[ ص: 231 ] إلى قوله ، يعرفه الحال ، ويقول له ليكتب إلى
علاء الدين وأخيه يتشفع في الناس . ففعل ، وبالغ في الشفاعة ، وخوفهم من أهل البلد إن أصروا على النهب ، فأجابوه إلى العفو عن الناس بعد مراجعات كثيرة .
وكانوا قد وعدوا من معهم من العساكر بنهب
غزنة ، فعوضوهم من الخزانة ، فسكن الناس ، وعاد العسكر إلى
غزنة أواخر ذي القعدة ومعهم الخزانة التي أخذها
ألدز من
مؤيد الملك لما عاد ومعه
شهاب الدين قتيلا ، فكانت مع ما أضيف إليها من الثياب والعين تسعمائة حمل ، ومن جملة ما كان فيها من الثياب الممزج المنسوج بالذهب ، اثنا عشر ألف ثوب .
وعزم
علاء الدين [ أن ] يستوزر
مؤيد الملك ، فسمع أخوه
جلال الدين ، فأحضره وخلع عليه ، على كراهة منه للخلعة ، واستوزره ، فلما سمع
علاء الدين بذلك قبض على
مؤيد الملك ، وقيده ، وحبسه ، فتغيرت نيات الناس ، واختلفوا ، ثم إن
علاء الدين وجلال الدين اقتسما الخزانة ، وجرى بينهما من المشاحنة في القسمة ما لا يجري بين التجار ، فاستدل بذلك الناس على أنهما لا يستقيم لهما حال لبخلهما ، واختلافهما ، وندم الأمراء على ميلهم إليهما وتركهم
غياث الدين مع ما ظهر من كرمه وإحسانه .
ثم إن
جلال الدين ، وعمه
عباسا سارا في بعض العسكر إلى
باميان ، وبقي
علاء الدين بغزنة ، فأساء وزيره
عماد الملك السيرة مع الأجناد والرعية ، ونهبت أموال
الأتراك ، حتى أنهم باعوا أمهات أولادهم وهن يبكين ويصرخن ولا يلتفت إليهن .