ذكر
غدر صاحب سمرقند بالخوارزميين
لما عاد صاحب
سمرقند إليها ، ومعه شحنة
لخوارزم شاه ، أقام معه نحو سنة فرأى من سوء سيرة الخوارزميين وقبح معاملتهم ، ما ندم معه على مفارقة الخطا ، فأرسل إلى ملك الخطا يدعوه إلى
سمرقند ليسلمها إليه ، ويعود إلى طاعته ، وأمر بقتل كل من في
سمرقند من الخوارزمية ممن سكنها قديما وحديثا ، وأخذ أصحاب
خوارزم شاه ، فكان يجعل الرجل منهم قطعتين ويعلقهم في الأسواق كما يعلق القصاب اللحم وأساء غاية الإساءة ، ومضى إلى القلعة ليقتل زوجته
ابنة خوارزم [ ص: 259 ] شاه ، فأغلقت الأبواب ووقفت بجواريها تمنعه ، وأرسلت إليه تقول : أنا امرأة وقتل مثلي قبيح ، ولم يكن مني إليك ما أستوجب به هذا منك ، ولعل تركي
أحمد عاقبة ، فاتق الله في . فتركها ووكل بها من يمنعها التصرف في نفسها .
ووصل الخبر إلى
خوارزم شاه فقامت قيامته ، وغضب غضبا شديدا ، وأمر بقتل كل من
بخوارزم من الغرباء ، فمنعته أمه عن ذلك ، وقالت : إن هذا البلد قد أتاه الناس من أقطار الأرض ، ولم يرض كلهم بما كان من هذا الرجل ، فأمر بقتل أهل
سمرقند ، فنهته أمه ، فانتهى .
وأمر عساكره بالتجهز إلى
ما وراء النهر ، وسيرهم أرسالا ، كلما تجهز جماعة عبروا
جيحون ، فعبر منهم خلق كثير لا يحصى ثم عبر هو بنفسه في آخرهم ، ونزل على
سمرقند ، وأنفذ إلى صاحبها يقول له : قد فعلت ما لم يفعله مسلم ، واستحللت من دماء المسلمين ما لا يفعله عاقل لا مسلم ولا كافر وقد عفا الله عما سلف ، فاخرج من البلاد ، وامض حيث شئت . فقال : لا أخرج ، وافعل ما بدا لك .
فأمر عساكره بالزحف ، فأشار عليه بعض من معه بأن يأمر بعض الأمراء ، إذا فتحوا البلد ، أن يقصدوا السرب الذي يسكنه التجار فيمنع من نهبه والتطرق إليهم بسوء ، فإنهم غرباء ، وكلهم كارهون لهذا الفعل . فأمر بعض الأمراء بذلك وزحف ، ونصب السلاليم على السور ، فلم يكن بأسرع من أن أخذوا البلد ، وأذن لعسكره بالنهب : وقتل من يجدونه من أهل
سمرقند ، فنهب البلد ، وقتل أهله ، ثلاثة أيام ، فيقال إنهم قتلوا منهم مائتي ألف إنسان ، وسلم ذلك الدرب الذي فيه الغرباء ، فلم يعدم منهم الفرد ولا الآدمي الواحد .
ثم أمر بالكف عن النهب والقتل ، ثم زحف إلى القلعة فرأى صاحبها ما ملأ قلبه هيبة وخوفا ، فأرسل يطلب الأمان ، فقال : لا أمان لك عندي فزحفوا عليها . فمسكوها ، وأسروا صاحبها ، وأحضروه عند
خوارزم شاه ، فقبل الأرض وطلب العفو ، فلم يعف عنه ، وأمر بقتله . فقتل صبرا ، وقتل معه جماعة من أقاربه ، ولم يترك أحدا ممن نسب إلى الخانية ، ورتب فيها وفي سائر البلاد نوابه ، ولم يبق لأحد معه في البلاد حكم .