[ ص: 260 ] ذكر
الوقعة التي أفنت الخطا
لما فعل
خوارزم شاه بالخطا ما ذكرناه مضى من سلم منهم إلى ملكهم ، فإنه لم يحضر الحرب فاجتمعوا عنده وكان طائفة عظيمة من التتر قد خرجوا من بلادهم ، حدود
الصين قديما ، ونزلوا وراء بلاد
تركستان ، وكان بينهم وبين
الخطا عداوة وحروب ، فلما سمعوا بما فعله
خوارزم شاه بالخطا قصدوهم مع ملكهم
كشلي خان .
فلما رأى ملك
الخطا ذلك أرسل إلى
خوارزم شاه يقول له : أما ما كان منك من أخذ بلادنا وقتل رجالنا فعفو عنه ، وقد أتى من هذا العدو من لا قبل لنا به ، وإنهم إن انتصروا علينا ، وملكونا فلا دافع لهم عنك ، والمصلحة أن تسير إلينا بعساكرك وتنصرنا على قتالهم ، ونحن نحلف لك أننا إذا ظفرنا بهم لا نتعرض إلى ما أخذت من البلاد ونقنع بما في أيدينا .
وأرسل إليه
كشلي خان ملك
التتر يقول : إن هؤلاء
الخطا أعداؤك وأعداء آبائك وأعداؤنا ، فساعدنا عليهم ، ونحلف أننا إذا انتصرنا عليهم لا نقرب بلادك ، ونقنع بالمواضع التي ينزلونها فأجاب كلا منهما : إنني معك ، ومعاضدك على خصمك .
وسار بعساكره إلى أن نزل قريبا من الموضع الذي تصافوا فيه ، فلم يخالطهم مخالطة يعلم بها أنه من أحدهما ، فكانت كل طائفة منهم تظن أنه معها .
وتواقع الخطا والتتر ، فانهزم الخطا هزيمة عظيمة ، فمال حينئذ
خوارزم شاه ، وجعل يقتل ، ويأسر ، وينهب ، ولم يترك أحدا ينجو منهم ، فلم يسلم منهم إلا طائفة يسيرة مع ملكهم في موضع من نواحي الترك يحيط به جبل ليس إليه طريق إلا من جهة واحدة ، تحصنوا فيه وانضم إلى
خوارزم شاه منهم طائفة ، وساروا في عسكره .
وأنفذ
خوارزم شاه إلى
كشلي خان ملك
التتر يمن عليه بأنه حضر لمساعدته ، ولولاه لما
[ ص: 261 ] تمكن من الخطا ، فاعترف له
كشلي خان بذلك مدة ، ثم أرسل إليه يطلب منه المقاسمة على بلاد الخطا ، وقال : كما أننا اتفقنا على إبادتهم ينبغي أن نقتسم بلادهم . فقال : ليس لك عندي غير السيف ، ولستم بأقوى من الخطا شوكة ، ولا أعز ملكا ، فإن قنعت بالمساكتة ، وإلا سرت إليك ، وفعلت بك شرا مما فعلت بهم .
وتجهز وسار حتى نزل قريبا منهم ، وعلم
خوارزم شاه أنه لا طاقة له به ، فكان يراوغه ، فإذا سار إلى موضع قصد
خوارزم شاه أهله وأثقالهم فينهبها ، وإذا سمع أن طائفة سارت عن موطنهم سار إليها فأوقع بها ، فأرسل إليه
كشلي خان يقول له : ليس هذا فعل الملوك هذا فعل اللصوص ، وإلا إن كنت سلطانا ، كما تقول ، فيجب أن نلتقي ، فإما أن تهزمني وتملك البلاد التي بيدي ، وإما أن أفعل أنا بك ذلك .
فكان يغالطه ولا يجيبه إلى ما طلب ، لكنه أمر أهل
الشاش ،
وفرغانة ،
وأسفيجاب ،
وكاسان ، وما حولها من المدن - التي لم يكن في الدنيا أنزه منها ولا أحسن عمارة - بالجلاء منها ، واللحاق ببلاد الإسلام ، ثم خربها جميعها خوفا من
التتر أن يملكوها .
ثم اتفق خروج هؤلاء
التتر الآخر الذين خربوا الدنيا وملكهم
جنكزخان النهرجي على
كشلي خان ملك
التتر الأول ، فاشتغل بهم
كشلي خان عن
خوارزم شاه ، فخلا وجهه ، فعبر النهر إلى
خراسان .