[ ص: 281 ] 608
ثم دخلت سنة ثمان وستمائة
ذكر
استيلاء منكلي على بلاد الجبل وأصفهان وغيرها وهرب إيدغمش
في هذه السنة ، في شعبان ، قدم
إيدغمش ، صاحب
همذان وأصفهان والري وما بينها من البلاد ، إلى
بغداد ، هاربا من
منكلي .
وسبب ذلك أن
إيدغمش كان قد تمكن في البلاد ، وعظم شأنه ، وانتشر صيته . وكثر عسكره ، حتى أنه حصر صاحبه
أبا بكر بن البهلوان ، صاحب هذه البلاد :
أذربيجان وأران ، كما ذكرناه .
فلما كان الآن خرج عليه مملوك اسمه
منكلي ، ونازعه في البلاد ، وكثر أتباعه . وأطاعه
المماليك البهلوانية ، فاستولى عليها وهرب منه شمس الدين
إيدغمش إلى
بغداد ، فلما وصل إليها أمر الخليفة بالاحتفال له في اللقاء فخرج الناس كافة ، وكان يوم وصوله مشهودا ، ثم قدمت زوجته في رمضان في محمل ، فأكرمت وأنزلت عند زوجها ، وأقام
ببغداذ إلى سنة عشر وستمائة ، فسار عنها فكان من أمره ما نذكره .
ذكر نهب الحاج
بمنى
وفي هذه السنة نهب الحاج
بمنى ، وسبب ذلك أن باطنيا وثب على بعض أهل الأمير
قتادة ، صاحب
مكة ، فقتله بمنى ظنا منه أنه
قتادة ، فلما سمع
قتادة ذلك جمع الأشراف والعرب والعبيد
وأهل مكة ، وقصدوا الحاج ، ونزلوا عليهم من الجبل ،
[ ص: 282 ] ورموهم بالحجارة والنبل وغير ذلك ، وكان أمير الحاج ولد الأمير ياقوت المقدم ذكره ، وهو صبي لا يعرف كيف يفعل ، فخاف وتحير وتمكن أمير
مكة من نهب الحاج ، فنهبوا منهم من كان في الأطراف ، وأقاموا على حالهم إلى الليل .
فاضطرب الحاج ، وباتوا بأسوأ حال من شدة الخوف من القتل والنهب .
فقال بعض الناس لأمير الحاج لينتقل بالحجاج إلى منزلة حجاج
الشام ، فأمر بالرحيل ، فرفعوا أثقالهم على الجمال واشتغل الناس بذلك ، فطمع العدو فيهم . وتمكن من النهب كيف أراد ، فكانت الجمال تؤخذ بأحمالها ، والتحق من سلم بحجاج
الشام فاجتمعوا بهم ، ثم رحلوا إلى الزاهر ، ومنعوا من دخول
مكة ، ثم أذن لهم في ذلك فدخلوها وتمموا حجهم وعادوا .
ثم أرسل
قتادة ولده وجماعة من أصحابه إلى
بغداد ، فدخلوها ومعهم السيوف مسلولة والأكفان ، فقبلوا العتبة ، واعتذروا مما جرى على الحجاج .
ذكر عدة حوادث
في هذه السنة أظهر
الإسماعيلية ، ومقدمهم
الجلال بن الصباح ، الانتقال عن فعل المحرمات واستحلالها ، وأمر بإقامة الصلوات وشرائع الإسلام ببلادهم من
خراسان والشام ، وأرسل مقدمهم رسلا إلى الخليفة ، وغيره من ملوك الإسلام ، يخبرهم بذلك ، وأرسل والدته إلى الحج ، فأكرمت
ببغداد إكراما عظيما ، وكذلك بطريق
مكة .
[ الوفيات ]
وفيها ، سلخ جمادى الآخرة ، توفي
أبو حامد محمد بن يونس بن منعة ، [ ص: 283 ] الفقيه الشافعي ، بمدينة
الموصل ، وكان إماما فاضلا ، إليه انتهت رياسة الشافعية ، لم يكن في زمانه مثله ، وكان حسن الأخلاق ، كثير التجاوز عن الفقهاء والإحسان إليهم ، رحمه الله .
وفى شهر ربيع الأول توفي القاضي
أبو الفضائل علي بن يوسف بن أحمد بن الآمدي الواسطي ، قاضيها ، وكان نعم الرجل .
وفي شعبان توفي المعين
أبو الفتوح عبد الواحد بن أبي أحمد بن علي الأمين ، شيخ الشيوخ
ببغداد ، وكان موته بجزيرة كاس ، مضى إليها رسولا من الخليفة ، وكان من أصدقائنا ، وبيننا وبينه مودة متأكدة ، وصحبة كثيرة ، وكان من عباد الله الصالحين - رحمه الله ورضي عنه - وله كتابة حسنة ، وشعر جيد وكان عالما بالفقه وغيره ، ولما توفي رتب أخوه زين الدين
عبد الرزاق بن أبي أحمد ، وكان ناظرا على المارستان العضدي ، فتركه واقتصر على الرباط .
وفي ذي الحجة توفي
محمد بن يوسف بن محمد بن عبيد الله النيسابوري الكاتب الحسن الخط ، وكان يؤدي طريقة
ابن البواب وكان فقيها ، حاسبا ، متكلما .
وتوفي
عمر بن مسعود أبي العز أبو القاسم البزاز البغدادي بها ، وكان من الصالحين ، يجتمع إليه الفقراء كثيرا ، ويحسن إليهم .
وتوفي أيضا
أبو سعيد الحسن بن محمد بن الحسن بن حمدون الثعلبي العدوي ، وهو ولد مصنف التذكرة ، وكان عالما .