ذكر
أخبار الأسود العنسي باليمن واسمه
عيهلة بن كعب بن عوف العنسي ، بالنون ، وعنس بطن من مذحج ، وكان يلقب ذا الخمار ؛ لأنه كان معتما متخمرا أبدا .
وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد جمع
لباذان حين أسلم وأسلم أهل
اليمن - عمل
اليمن جميعه ، وأمره على جميع مخالفيه ، فلم يزل عاملا عليه حتى مات . فلما مات
باذان فرق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمراءه في
اليمن ، فاستعمل
عمرو بن حزم على
نجران ،
nindex.php?page=showalam&ids=2467وخالد بن سعيد بن العاص على ما بين
نجران وزبيد ،
وعامر بن شهر على
همدان ، وعلى
صنعاء شهر بن باذان ، وعلى
عك والأشعريين الطاهر بن أبي هالة ، وعلى
مأرب أبا موسى ، وعلى الجند
nindex.php?page=showalam&ids=120يعلى بن أمية ، وكان
معاذ معلما يتنقل في عمالة كل عامل
باليمن وحضرموت .
[ ص: 197 ] واستعمل على أعمال
حضرموت زياد بن لبيد الأنصاري ، وعلى
السكاسك والسكون عكاشة بن ثور ، وعلى
بني معاوية ابن كندة عبد الله أو المهاجر ، فاشتكى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يذهب حتى وجهه
أبو بكر ، فمات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهؤلاء عماله على
اليمن وحضرموت .
وكان أول من اعترض
الأسود الكاذب -
شهر ،
وفيروز ،
وداذويه ، وكان
الأسود العنسي لما عاد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من حجة الوداع ، وتمرض من السفر غير مرض موته بلغه ذلك ، فادعى النبوة ، وكان مشعبذا يريهم الأعاجيب ، فاتبعته
مذحج ، وكانت ردة
الأسود أول ردة في الإسلام على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وغزا
نجران ، فأخرج عنها
عمرو بن حزم nindex.php?page=showalam&ids=2467وخالد بن سعيد ، ووثب
قيس بن عبد يغوث بن مكشوح على
فروة بن مسيك ، وهو على مراد ، فأجلاه ونزل منزله ، وسار
الأسود عن
نجران إلى
صنعاء ، وخرج إليه
شهر بن باذان فلقيه ، فقتل
شهر لخمس وعشرين ليلة من خروج
الأسود ، وخرج
معاذ هاربا حتى لحق
بأبي موسى وهو بمأرب ، فلحقا
بحضرموت ، ولحق بفروة من تم على إسلامه من مذحج .
واستتب
للأسود ملك
اليمن ، ولحق أمراء
اليمن إلى
الطاهر بن أبي هالة ، إلا
عمرا وخالدا ؛ فإنهما رجعا إلى
المدينة ،
والطاهر بجبال عك وجبال
صنعاء ، وغلب
الأسود على ما بين مفازة
حضرموت إلى
الطائف ، إلى
البحرين والأحساء ، إلى
عدن ، واستطار أمره كالحريق ، وكان معه سبعمائة فارس يوم لقي شهرا سوى الركبان ، واستغلظ أمره ، وكان خليفته في مذحج
عمرو بن معدي كرب ، وكان خليفته على جنده
قيس بن عبد يغوث ، وأمر الأبناء إلى
فيروز وداذويه .
وكان
الأسود تزوج امرأة
شهر بن باذان بعد قتله ، وهي ابنة عم
فيروز . وخاف من
بحضرموت من المسلمين أن يبعث إليهم جيشا ، أو يظهر بها كذاب مثل
الأسود ، فتزوج
معاذ إلى السكون ، فعطفوا عليه .
وجاء إليهم وإلى من
باليمن من المسلمين كتب النبي - صلى الله عليه وسلم - يأمرهم بقتال
الأسود ، فقام
معاذ في ذلك ، وقويت نفوس المسلمين ، وكان الذي قدم بكتاب النبي - صلى الله عليه وسلم -
وبر [ ص: 198 ] بن يحنس الأزدي ، قال
جشنس الديلمي : فجاءتنا كتب النبي - صلى الله عليه وسلم - يأمرنا بقتاله ، إما مصادمة أو غيلة - يعني إليه ، وإلى
فيروز وداذويه - وأن نكاتب من عنده دين . فعملنا في ذلك ، فرأينا أمرا كثيفا ، وكان قد تغير
لقيس بن عبد يغوث ، فقلنا : إن قيسا يخاف على دمه ، فهو لأول دعوة ، فدعوناه وأبلغناه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فكأنما نزلنا عليه من السماء ، فأجابنا ، وكاتبنا الناس . فأخبره الشيطان شيئا من ذلك ، فدعا قيسا فأخبره أن شيطانه يأمره بقتله ؛ لميله إلى عدوه ، فحلف
قيس : لأنت أعظم في نفسي من أن أحدث نفسي بذلك . ثم أتانا فقال : يا جشنس ، ويا
فيروز ، ويا
داذويه ، فأخبرنا بقول
الأسود . فبينا نحن معه يحدثنا إذ أرسل إلينا فتهددنا ، فاعتذرنا إليه ونجونا منه ولم نكد ، وهو مرتاب بنا ونحن نحذره . فبينا نحن على ذلك إذ جاءتنا كتب
عامر بن شهر ،
وذي زود ،
وذي مران ،
وذي الكلاع ،
وذي ظليم ، يبذلون لنا النصر ، فكاتبناهم وأمرناهم أن لا يفعلوا شيئا حتى نبرم أمرنا ، وإنما اهتاجوا لذلك حين كاتبهم النبي - صلى الله عليه وسلم - وكتب أيضا إلى أهل نجران فأجابوه ، وبلغ ذلك
الأسود ، وأحس بالهلاك .
قال : فدخلت على
آزاد ، وهي امرأته التي تزوجها بعد قتل زوجها
شهر بن باذان ، فدعوتها إلى ما نحن عليه ، وذكرتها قتل زوجها
شهر وإهلاك عشيرتها ، وفضيحة النساء . فأجابت وقالت : والله ما خلق الله شخصا أبغض إلي منه ، ما يقوم لله على حق ، ولا ينتهي عن محرم ، فأعلموني أمركم أخبركم بوجه الأمر . قال : فخرجت وأخبرت
فيروز وداذويه وقيسا . قال : وإذ قد جاء رجل فدعا قيسا إلى
الأسود ، فدخل في عشرة من
مذحج وهمدان ، فلم يقدر على قتله معهم وقال له : ألم أخبرك الحق ، وتخبرني الكذب ؟ إنه - يعني شيطانه - يقول لي : إلا تقطع من
قيس يده يقطع رقبتك . فقال
قيس : إنه ليس من الحق أن أهلك وأنت رسول الله ، فمرني بما أحببت أو اقتلني ، فموتة أهون من موتات .
فرق له وتركه ، وخرج
قيس فمر بنا وقال : اعملوا عملكم . ولم يقعد عندنا .
فخرج علينا
الأسود في جمع ، فقمنا له وبالباب مائة ، ما بين بقرة وبعير ، فنحرها ثم خلاها ، ثم قال : أحق ما بلغني عنك يا
فيروز ؟ - وبوأ له الحربة - لقد هممت أن أنحرك . فقال : اخترتنا لصهرك وفضلتنا ، فلو لم تكن نبيا لما بعنا نصيبنا منك بشيء ، فكيف وقد اجتمع لنا بك أمر الدنيا والآخرة ! فقال له : اقسم هذه ، فقسمها ، ولحق به وهو يسمع سعاية رجل
بفيروز ، وهو يقول له : أنا قاتله غدا وأصحابه ، ثم التفت فإذا
فيروز ، فأخبره بقسمتها ، ودخل
الأسود ورجع
فيروز فأخبرنا الخبر ، فأرسلنا إلى
قيس فجاءنا ، فاجتمعنا على أن أعود إلى المرأة فأخبرها بعزيمتنا ونأخذ رأيها ، فأتيتها فأخبرتها ، فقالت : هو متحرز ، وليس من القصر شيء إلا والحرس محيطون به غير هذا البيت ، فإن ظهره إلى
[ ص: 199 ] مكان كذا وكذا ، فإذا أمسيتم فانقبوا عليه ، فإنكم من دون الحرس ، وليس دون قتله شيء ، وستجدون فيه سراجا وسلاحا .
فتلقاني
الأسود خارجا من بعض منازله فقال : ما أدخلك علي ؟ ووجأ رأسي حتى سقطت ، وكان شديدا ، فصاحت المرأة فأدهشته ، وقالت : جاءني ابن عمي زائرا ففعلت به هذا ؟ فتركني ، فأتيت أصحابي فقلت : النجاء ! الهرب ! وأخبرتهم الخبر .
فإنا على ذلك حيارى إذ جاءنا رسولها يقول : لا تدعن ما فارقتك عليه ، فلم أزل به حتى اطمأن . فقلنا
لفيروز : إيتها فتثبت منها . ففعل ، فلما أخبرته قال : ننقب على بيوت مبطنة ، فدخل فاقتلع البطانة ، وجلس عندها كالزائر ، فدخل عليها
الأسود فأخذته غيرة ، فأخبرته برضاع وقرابة منها عنده محرم ، فأخرجه . فلما أمسينا عملنا في أمرنا ، وأعلمنا أشياعنا ، وعجلنا عن مراسلة الهمدانيين والحميريين فنقبنا البيت ودخلنا ، وفيه سراج تحت جفنة ، واتقينا
بفيروز ، كان أشدنا ، فقلنا : انظر ماذا ترى ، فخرج ونحن بينه وبين الحرس ، فلما دنا من باب البيت سمع غطيطا شديدا ، والمرأة قاعدة ، فلما قام على باب البيت أجلسه الشيطان وتكلم على لسانه ، وقال : ما لي ولك يا
فيروز ! فخشي إن رجع أن يهلك وتهلك المرأة ، فعاجله وخالطه وهو مثل الجمل ، فأخذ برأسه فقتله ودق عنقه ، ووضع ركبته في ظهره فدقه ، ثم قام ليخرج ، فأخذت المرأة بثوبه وهي ترى أنه لم يقتله . فقال : قد قتلته وأرحتك منه ، وخرج فأخبرنا ، فدخلنا معه ، فخار كما يخور الثور ، فقطعت رأسه بالشفرة ، وابتدر الحرس المقصورة يقولون : ما هذا ؟ فقالت المرأة : النبي يوحى إليه فخمدوا ، وقعدنا نأتمر بيننا ،
فيروز وداذويه وقيس ، كيف نخبر أشياعنا ، فاجتمعنا على النداء ، فلما طلع الفجر نادينا بشعارنا الذي بيننا وبين أصحابنا ، ففزع المسلمون والكافرون ، ثم نادينا بشعارنا بالأذان فقلت : أشهد أن
محمدا رسول الله ، وأن
عيهلة كذاب ! وألقينا إليهم رأسه ، وأحاط بنا أصحابه وحرسه ، وشنوا الغارة ، وأخذوا صبيانا كثيرة وانتهبوا . فنادينا أهل
صنعاء من عنده منهم فأمسكه ، ففعلوا . فلما خرج أصحابه فقدوا سبعين رجلا ، فراسلونا ، وراسلناهم على أن يتركوا لنا ما في أيديهم ، ونترك ما في أيدينا ، ففعلنا ، ولم يظفروا منا بشيء ، وترددوا فيما بين
صنعاء ونجران . وتراجع أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أعمالهم ، وكان يصلي بنا
nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ بن جبل ، وكتبنا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بخبره ، وذلك في حياته .
[ ص: 200 ] وأتاه الخبر من ليلته ، وقدمت رسلنا ، وقد توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأجابنا
أبو بكر .
قال nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر : أتى الخبر من السماء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في ليلته التي قتل فيها ، فقال : قتل العنسي ، قتله رجل مبارك من أهل بيت مباركين ، قيل : من قتله ؟ قال : قتله فيروز .
قيل : كان أول أمر
العنسي إلى آخره ثلاثة أشهر ، وقيل قريب من أربعة أشهر ، وكان قدوم البشير بقتله في آخر ربيع الأول بعد موت النبي - صلى الله عليه وسلم - فكان أول بشارة أتت
أبا بكر وهو
بالمدينة .
قال
فيروز : لما قتلنا
الأسود عاد أمرنا كما كان ، وأرسلنا إلى
nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ بن جبل فصلى بنا ونحن راجون مؤملون ، لم يبق شيء نكرهه إلا تلك الخيول من أصحاب
الأسود ، فأتى موت النبي - صلى الله عليه وسلم - فانتقضت الأمور واضطربت الأرض .
(
العنسي بالعين والنون )
وفي هذه السنة ماتت
nindex.php?page=showalam&ids=129فاطمة بنت النبي - صلى الله عليه وسلم - لثلاث خلون من رمضان ، وهي ابنة تسع وعشرين سنة أو نحوها ، وقيل : توفيت بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - بثلاثة أشهر ، وقيل بستة أشهر ، وغسلها
علي nindex.php?page=showalam&ids=116وأسماء بنت عميس ، وصلى عليها
nindex.php?page=showalam&ids=18العباس بن عبد المطلب ، ودخل قبرها
العباس ،
وعلي ،
nindex.php?page=showalam&ids=69والفضل بن العباس .
وفيها توفي
عبد الله بن أبي بكر الصديق ، وكان أصابه سهم بالطائف وهو مع النبي - صلى الله عليه وسلم - رماه به
أبو محجن ، ثم انتقض عليه فمات في شوال .
وفي هذا العام الذي بويع فيه
أبو بكر ملك يزدجرد بلاد فارس .
وفيه ، أعني سنة إحدى عشرة ، اشترى
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب مولاه
أسلم بمكة من ناس من
الأشعريين .