ذكر
الصلح بين المعظم والأشرف .
نبتدئ بذكر سبب الاختلاف ، فنقول : لما توفي الملك العادل
أبو بكر بن [ ص: 418 ] أيوب ، اتفق أولاده الملوك بعده اتفاقا حسنا ، وهم :
الملك الكامل محمد صاحب
مصر ،
nindex.php?page=showalam&ids=15280والملك المعظم عيسى صاحب
دمشق ،
nindex.php?page=showalam&ids=13710والملك الأشرف موسى وهو صاحب ديار
الجزيرة وخلاط ، واجتمعت كلمتهم على دفع الفرنج عن
الديار المصرية .
ولما رحل
الكامل عن
دمياط لما كان الفرنج يحصرونها ، صادفه أخوه المعظم من الغد ، وقويت نفسه ، وثبت قدمه ، ولولا ذلك لكان الأمر عظيما ، وقد ذكرنا ذلك مفصلا ، ثم إنه عاد من
مصر وسار إلى أخيه
الأشرف ببلاد
الجزيرة مرتين يستنجده على الفرنج ، ويحثه على مساعدة أخيهما
الكامل ، ولم يزل به حتى أخذه وسار إلى
مصر ، وأزالوا الفرنج عن
الديار المصرية كما ذكرناه قبل ، فكان اتفاقهم على الفرنج سببا لحفظ بلاد الإسلام ، وسر الناس أجمعون بذلك .
فلما فارق الفرنج
مصر وعاد كل من الملوك أولاد العادل إلى بلده ، بقوا كذلك يسيرا ، ثم سار
الأشرف إلى أخيه
الكامل بمصر ، فاجتاز بأخيه
المعظم بدمشق ، فلم يستصحبه معه ، وأطال المقام
بمصر ، فلا شك أن
المعظم ساءه ذلك .
ثم إن
المعظم سار إلى
مدينة حماة وحصرها ، فأرسل إليه أخواه من
مصر ورحلاه عنها كارها ، فازداد نفورا ، وقيل : إنه نقل إليه عنهما أنهما اتفقا عليه ، والله أعلم بذلك .
ثم انضاف إلى ذلك أن الخليفة
الناصر لدين الله - رضي الله عنه - كان قد استوحش من الكامل لما فعله ولده صاحب اليمن من الاستهانة بأمير الحاج
العراقي ، فأعرض عنه وعن أخيه
الأشرف لاتفاقهما ، وقاطعهما وراسل
nindex.php?page=showalam&ids=16140مظفر الدين كوكبري بن زين الدين علي صاحب
إربل ، يعلمه بانحرافه عن
الأشرف ، واستماله واتفقا على مراسلة المعظم ، وتعظيم الأمر عليه ، فمال إليهما ، وانحرف عن إخوته .
ثم اتفق ظهور
جلال الدين وكثرة ملكه ، فاشتد الأمر على
الأشرف بمجاورة
جلال الدين خوارزم شاه ولاية
خلاط ، ولأن
المعظم بدمشق يمنع عنه عساكر
مصر أن تصل إليه ، وكذلك عساكر
حلب وغيرها من
الشام ، فرأى
الأشرف أن يسير إلى أخيه
المعظم بدمشق ، فسار إليه في شوال واستماله وأصلحه ، فلما سمع
الكامل بذلك ، عظم عليه ، ثم إنهما راسلاه ، وأعلماه بنزول
جلال الدين على
خلاط ، وعظما الأمر عليه ، وأعلماه أن هذه الحال تقضي الاتفاق لعمارة البيت العادلي ، وانقضت السنة
والأشرف بدمشق ، والناس على مواضعهم ينتظرون خروج الشتاء ما يكون من الخوارزميين
[ ص: 419 ] وسنذكر ما يكون سنة أربع وعشرين وستمائة إن شاء الله تعالى .