ذكر
ردة حضرموت وكندة
لما توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعماله على بلاد
حضرموت :
زياد بن أبي لبيد الأنصاري على
حضرموت ،
وعكاشة بن أبي أمية على
السكاسك والسكون والمهاجر بن أبي أمية على كندة ، استعمله النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يخرج إليها حتى توفي النبي - صلى الله عليه وسلم - فبعثه أبو بكر إلى قتال من باليمن ، ثم المسير بعد إلى عمله ، وكان قد تخلف عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بتبوك ، فرجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو عاتب عليه ، فبينما nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة تغسل رأس النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت : كيف ينفعني عيش وأنت عاتب على أخي ؟ فرأت [ ص: 230 ] منه رقة ، فأومأت إلى خادمها فدعته ، فلم يزل بالنبي - صلى الله عليه وسلم - يذكر عذره حتى رضي عنه واستعمله على كندة . فتوفي النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يسر إلى عمله ، ثم سار بعده .
وكان سبب ردة
كندة وإجابتهم
الأسود الكذاب حتى لعن النبي - صلى الله عليه وسلم - الملوك الأربعة منهم - أنهم لما أسلموا أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يوضع بعض صدقة
حضرموت في
كندة ، وبعض صدقة
كندة في
حضرموت ، وبعض صدقة
حضرموت في
السكون ، وبعض صدقة
السكون في
حضرموت ، فقال بعض
بني وليعة : من
كندة لحضرموت ليس لنا ظهر ، فإن رأيتم أن تبعثوا إلينا بذلك على ظهر . قالوا : فإنا ننظر ، فإن لم يكن لكم ظهر فعلنا . فلما توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالت
بنو وليعة : أبلغونا كما وعدتم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ! فقالوا : إن لكم ظهرا فاحتملوا ، فقالوا
لزياد : أنت معهم علينا . فأبى
الحضرميون ، ولح
الكنديون ورجعوا إلى دارهم ، وترددوا في أمرهم ، وأمسك عنهم
زياد انتظارا
للمهاجر .
وكان
المهاجر لما تأخر
بالمدينة قد استخلف
زيادا على عمله ، وسار
المهاجر من
صنعاء إلى عمله ،
nindex.php?page=showalam&ids=28وعكرمة بن أبي جهل أيضا ، فنزل أحدهما على
الأسود ، والآخر على وائل ، وكان
زياد بن لبيد قد ولي صدقات
بني عمرو بن معاوية من
كندة بنفسه ، فقدم عليهم ، فكان أول من انتهى منهم
شيطان بن حجر ، فأخذ منهم بكرة ووسمها ، فإذا الناقة
للعداء بن حجر أخي شيطان ، وكان أخوه قد أوهم حين أخرجها ، وكان اسمها شذرة ، وظنها غيرها . فقال
العداء : هذه ناقتي . فقال
شيطان : صدق ، فأطلقها وخذ غيرها . فاتهمه
زياد بالكفر ومباعدة الإسلام . فمنعهما عنها وقال : صارت في حق الله . فلجأ في أخذها ، فقال لها : لا تكونن شذرة عليكم كالبسوس . فنادى
العداء : يا
آل عمرو ، أضام وأضطهد ! إن الذليل من أكل في داره ! ونادى
حارثة بن سراقة بن معدي كرب ، فأقبل إلى
زياد وهو واقف ، فقال : أطلق بكرة الرجل وخذ غيرها . فقال
زياد : ما لي إلى ذلك سبيل . فقال
حارثة : ذاك إذا كنت يهوديا ، وأطلق عقالها وبعثها وقام دونها ، فأمر
زياد شبابا من
حضرموت والسكون فمنعوه وكتفوه ، وكتفوا أصحابه وأخذوا البكرة ، وتصايحت
كندة ، وغضبت
بنو معاوية لحارثة وأظهروا أمرهم ، وغضبت
حضرموت والسكون لزياد ، وتوافى عسكران عظيمان من هؤلاء ، ولم يحدث
بنو معاوية شيئا لمكان أسرائهم ، ولم يجد أصحاب
زياد سبيلا يتعلقون به عليهم ، وأمرهم
زياد بوضع السلاح
[ ص: 231 ] فلم يفعلوا ، وطلبوا أسراءهم فلم يطلقهم ، ونهد إليهم ليلا فقتل منهم وتفرقوا ، فلما تفرقوا أطلق
حارثة ومن معه . فلما رجع الأسرى إلى أصحابهم حرضوهم على
زياد ومن معه ، واجتمع منهم عسكر كثير ، ونادوا بمنع الصدقة ، فأرسل
الحصين بن نمير ، وسكن بعضهم عن بعض ، فأقاموا بعد ذلك يسيرا .
ثم إن
بني عمرو بن معاوية من
كندة نزلوا
المحاجر ، وهي أحماء حموها ، فنزل
جمد محجرا ،
ومخوص محجرا ،
ومشرح محجرا ،
وأبضعة محجرا ، وأختهم
العمردة محجرا ، وهم الملوك الأربعة رؤساء
عمرو الذين لعنهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد ذكروا قبل . ونزلت
بنو الحارث بن معاوية محاجرها ، فنزل
nindex.php?page=showalam&ids=185الأشعث بن قيس محجرا ،
والسمط بن الأسود محجرا ، وأطبقت
بنو معاوية كلها على منع الصدقة ، إلا
شرحبيل بن السمط وابنه ، فإنهما قالا
لبني معاوية : إنه لقبيح بالأحرار التنقل ، إن الكرام ليلزمون الشبهة فيتكرمون أن ينتقلوا إلى أوضح منها مخافة العار ، فكيف الانتقال من الأمر الحسن الجميل والحق إلى الباطل والقبيح ! اللهم إنا نمالئ قومنا على ذلك . وانتقل ونزل مع
زياد ومعهما
امرؤ القيس بن عابس ، وقالا له : بيت القوم ؛ فإن أقواما من
السكاسك والسكون قد انضموا إليهم ، وكذلك شذاذ من
حضرموت ، فإن لم تفعل خشينا أن تتفرق الناس عنا إليهم . فأجابهم إلى تبييت القوم ، فاجتمعوا وطوقوهم في محاجرهم ، فوجدوهم جلوسا حول نيرانهم ، فأكبوا على
بني عمرو بن معاوية ، وفيهم العدد والشوكة - من خمسة أوجه ، فأصابوا
مشرحا ومخوصا وجمدا وأبضعة وأختهم
العمردة ، وأدركتهم لعنة النبي - صلى الله عليه وسلم - وقتلوا فأكثروا ، وهرب من أطاق الهرب ، وعاد
زياد بن لبيد بالأموال والسبي ، واجتازوا
بالأشعث ، فثار في قومه ، فاستنقذهم وجمع الجموع .
وكتب
زياد إلى
المهاجر يستحثه ، فلقيه الكتاب بالطريق فاستخلف على الجند
nindex.php?page=showalam&ids=28عكرمة بن أبي جهل ، وتعجل في سرعان الناس ، وقدم على
زياد وسار إلى
كندة ، فالتقوا
بمحجر الزرقان فاقتتلوا ، فانهزمت
كندة وقتلت ، وخرجوا هرابا فالتجئوا إلى
النجير ، وقد رموه وأصلحوه . وسار
المهاجر فنزل عليهم ، واجتمعت
كندة في
النجير فتحصنوا به ، فحصرهم المسلمون ، وقدم إليهم
عكرمة ، فاشتد الحصر على
كندة ، وتفرقت السرايا في طلبهم فقتلوا منهم ، وخرج من
بالنجير من
كندة وغيرهم ، فقاتلوا المسلمين فكثر فيهم القتل ، فرجعوا إلى حصنهم ، وخشعت نفوسهم وخافوا القتل ،
[ ص: 232 ] وخاف الرؤساء على نفوسهم . فخرج
الأشعث ومعه تسعة نفر ، فطلبوا من
زياد أن يؤمنهم وأهليهم على أن يفتحوا له الباب . فأجابهم إلى ذلك وقال : اكتبوا ما شئتم ثم هلموا الكتاب حتى أختمه . ففعلوا ، ونسي
الأشعث أن يكتب نفسه لأن
جحدما وثب عليه بسكين ، فقال : تكتبني أو أقتلك ؟ فكتبه ونسي نفسه ، ففتحوا الباب ، فدخل المسلمون فلم يدعوا مقاتلا إلا قتلوه ، وضربوا أعناقهم صبرا ، وأخذوا الأموال والسبي . فلما فرغوا منهم دعا
الأشعث أولئك النفر والكتاب معهم فعرضهم ، فأجار من في الكتاب ، فإذا
الأشعث ليس منهم ، فقال
المهاجر : الحمد لله الذي خطأ فاك يا
أشعث يا عدو الله ! قد كنت أشتهي أن يخزيك الله ! وشده كتافا ، فقيل له : أخره وسيره إلى
أبي بكر ؛ فهو أعلم بالحكم فيه . فسيره إلى
أبي بكر مع السبي .
وقيل : إن الحصار لما اشتد على من
بالنجير نزل
الأشعث إلى
المهاجر وزياد والمسلمين ، فسألهم الأمان على دمه وماله حتى يقدموا به على
أبي بكر ، فيرى فيه رأيه ، على أن يفتح لهم
النجير ويسلم إليهم من فيه ، وغدر بأصحابه ، فقبلوا ذلك منه ، ففتح لهم الحصن ، فاستنزلوا من فيه من الملوك فقتلوهم وأوثقوا
الأشعث وأرسلوه مع السبي إلى
أبي بكر ، فكان المسلمون يلعنونه ويلعنه سبايا قومه ، وسماه نساء قومه عرف النار ، وهو اسم الغادر عندهم . فلما قدم
المدينة قال له
أبو بكر : ما تراني أصنع بك ؟ قال : لا أعلم . قال : فإني أقتلك . قال : فأنا الذي راوضت القوم في عشرة فما يحل دمي . قال : إنما وجب الصلح بعد ختم الصحيفة على من فيها ، وإنما كنت قبل ذلك مراوضا . فلما خشي القتل قال : أوتحتسب في خيرا ، فتطلق إساري وتقيلني عثرتي ، وتفعل بي مثل ما فعلت بأمثالي ، وترد علي زوجتي ؟ - وقد كان خطب
أم فروة أخت
أبي بكر لما قدم على النبي - صلى الله عليه وسلم - وأخرها إلى أن يقدم الثانية ، فمات النبي - صلى الله عليه وسلم - وارتد - فإن فعلت ذلك تجدني خير أهل بلادي لدين الله . فحقن دمه ورد عليه أهله ، وأقام
بالمدينة حتى فتح
العراق ، وقسم الغنائم بين الناس .
وقيل : إن
عكرمة قدم بعد الفتح ، فقال
زياد والمهاجر لمن معهما : إن إخوانكم قدموا مددا لكم ، فأشركوهم في الغنيمة ، ففعلوا وأشركوهم .
ولما ولي
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب قال : إنه لقبيح بالعرب أن يملك بعضهم بعضا ، وقد وسع الله - عز وجل - وفتح الأعاجم . واستشار في فداء سبايا العرب في الجاهلية والإسلام ،
[ ص: 233 ] إلا امرأة ولدت لسيدها ، وجعل فداء لكل إنسان ستة أبعرة أو سبعة ، إلا
حنيفة وكندة ، فإنه خفف عليهم لقتل رجالهم ، فتتبع النساء بكل مكان فقدوهن .
وفيها انصرف
nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ بن جبل من
اليمن .
وفيها استقضى
أبو بكر عمر بن الخطاب ، وكان يقضي بين الناس خلافته كلها .
وحج بالناس في هذه السنة
عتاب بن أسيد ، وقيل :
nindex.php?page=showalam&ids=38عبد الرحمن بن عوف .
(
النجير - بضم النون ، وفتح الجيم ، وسكون الياء تحتها نقطتان ، وآخره راء : حصن باليمن منيع ) .