[ ص: 248 ] 13
ثم دخلت سنة ثلاث عشرة .
ذكر
فتوح الشام قيل : في سنة ثلاث عشرة وجه
أبو بكر الجنود إلى
الشام بعد عوده من الحج ، فبعث
nindex.php?page=showalam&ids=2467خالد بن سعيد بن العاص ، وقيل : إنما سيره لما سير
nindex.php?page=showalam&ids=22خالد بن الوليد إلى
العراق ، وكان أول لواء عقده إلى
الشام لواء
خالد ، ثم عزله قبل أن يسير .
وكان سبب عزله أنه تربص ببيعة
أبي بكر شهرين ، ولقي
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب nindex.php?page=showalam&ids=7وعثمان بن عفان فقال : يا
أبا الحسن ، يا
بني عبد مناف ، أغلبتم عليها ؟ فقال
علي : أمغالبة ترى أم خلافة ؟
فأما
أبو بكر فلم يحقدها عليه ، وأما
عمر فاضطغنها عليه ، فلما ولاه
أبو بكر لم يزل به
عمر حتى عزله عن الإمارة ، وجعله ردءا للمسلمين
بتيماء ، وأمره أن لا يفارقها إلا بأمره ، وأن يدعو من حوله من العرب إلا من ارتد ، وأن لا يقاتل إلا من قاتله . فاجتمع إليه جموع كثيرة ، وبلغ خبره الروم فضربوا البعث على العرب الضاحية
بالشام من :
بهراء ،
وسليح ،
وغسان ،
وكلب ،
ولخم ،
وجذام ، فكتب
nindex.php?page=showalam&ids=2467خالد بن سعيد إلى
أبي بكر بذلك ، فكتب إليه
أبو بكر : أقدم ولا تقتحمن . فسار إليهم ، فلما دنا منهم تفرقوا ، فنزل منزلهم وكتب إلى
أبي بكر بذلك ، فأمره بالإقدام بحيث لا يؤتى من خلفه . فسار حتى جازه قليلا ونزل ، فسار إليه بطريق من بطارقة الروم يدعى
باهان ، فقاتله فهزمه وقتل من جنده ، فكتب
خالد إلى
أبي بكر يستمده ، وكان قد قدم على
أبي بكر أوائل مستنفري
[ ص: 249 ] اليمن وفيهم
ذو الكلاع ، وقدم
nindex.php?page=showalam&ids=28عكرمة بن أبي جهل فيمن معه من
تهامة ،
وعمان ،
والبحرين ،
والسرو ، فكتب لهم
أبو بكر إلى أمراء الصدقات أن يبدلوا من استبدل ، فكلهم استبدل ، فسمي جيش البدال ، وقدموا على
nindex.php?page=showalam&ids=2467خالد بن سعيد .
وعنها اهتم
أبو بكر بالشام وعناه أمره ، وكان
أبو بكر قد رد
nindex.php?page=showalam&ids=59عمرو بن العاص إلى عمله الذي كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولاه إياه من صدقات
سعد هذيم وعذرة وغيرهم قبل ذهابه إلى
عمان ، ووعده أن يعيده إلى عمله بعد عوده من
عمان ، فأنجز له
أبو بكر عدة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
فلما عزم على قصد
الشام كتب له : إني كنت قد رددتك على العمل الذي ولاك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرة ، ووعدك به أخرى ؛ إنجازا لمواعيد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد وليته ، وقد أحببت أن أفرغك لما هو خير لك في الدنيا والآخرة ، إلا أن يكون الذي أنت فيه أحب إليك .
فكتب
عمرو : إني سهم من سهام الإسلام ، وأنت بعد الله الرامي بها والجامع لها ، فانظر أشدها وأخشاها وأفضلها فارم به . فأمره وأمر
nindex.php?page=showalam&ids=292الوليد بن عقبة ، وكان على بعض صدقات
قضاعة ، أن يجمعا العرب ، ففعلا ، وأرسل
أبو بكر إلى
عمرو بعض من اجتمع إليه ، وأمره بطريق سماها له إلى
فلسطين ، وأمر
الوليد بالأردن وأمده ببعضهم ، وأمر
nindex.php?page=showalam&ids=293يزيد بن أبي سفيان على جيش عظيم هو جمهور من انتدب إليه ، فيهم
nindex.php?page=showalam&ids=3795سهيل بن عمرو في أمثاله من
أهل مكة ، وشيعه ماشيا ، وأوصاه وغيره من الأمراء ، فكان مما قال
ليزيد :
إني قد وليتك لأبلوك وأجربك وأخرجك ، فإن أحسنت رددتك إلى عملك وزدتك ، وإن أسأت عزلتك ، فعليك بتقوى الله فإنه يرى من باطنك مثل الذي من ظاهرك ، وإن أولى الناس بالله أشدهم توليا له ، وأقرب الناس من الله أشدهم تقربا إليه بعمله ، وقد وليتك عمل
خالد ، فإياك وعبية الجاهلية ، فإن الله يبغضها ويبغض أهلها ، وإذا قدمت على جندك فأحسن صحبتهم ، وابدأهم بالخير وعدهم إياه ، وإذا وعظتهم فأوجز ؛ فإن كثير الكلام ينسي بعضه بعضا ، وأصلح نفسك يصلح لك الناس ، وصل الصلوات لأوقاتها بإتمام ركوعها وسجودها والتخشع فيها ، وإذا قدم عليك رسل عدوك فأكرمهم ، وأقلل لبثهم حتى يخرجوا من عسكرك وهم جاهلون به ، ولا ترينهم فيروا خللك ويعلموا علمك ،
[ ص: 250 ] وأنزلهم في ثروة عسكرك ، وامنع من قبلك من محادثتهم ، وكن أنت المتولي لكلامهم ، ولا تجعل سرك لعلانيتك فيخلط أمرك ، وإذا استشرت فاصدق الحديث تصدق المشورة ، ولا تخزن عن المشير خبرك فتؤتى من قبل نفسك ، واسمر بالليل في أصحابك تأتك الأخبار وتنكشف عندك الأستار ، وأكثر حرسك وبددهم في عسكرك ، وأكثر مفاجأتهم في محارسهم بغير علم منهم بك ، فمن وجدته غفل عن محرسه فأحسن أدبه وعاقبه في غير إفراط ، وأعقب بينهم بالليل ، واجعل النوبة الأولى أطول من الأخيرة ؛ فإنها أيسرهما لقربها من النهار ، ولا تخف من عقوبة المستحق ، ولا تلجن فيها ، ولا تسرع إليها ، ولا تخذلها مدفعا ، ولا تغفل عن أهل عسكرك فتفسده ، ولا تجسس عليهم فتفضحهم ، ولا تكشف الناس عن أسرارهم ، واكتف بعلانيتهم ، ولا تجالس العباثين ، وجالس أهل الصدق والوفاء ، واصدق اللقاء ، ولا تجبن فيجبن الناس ، واجتنب الغلول فإنه يقرب الفقر ويدفع النصر ، وستجدون أقواما حبسوا أنفسهم في الصوامع فدعهم وما حبسوا أنفسهم له .
وهذه من أحسن الوصايا وأكثرها نفعا لولاة الأمر .
ثم إن
أبا بكر استعمل
nindex.php?page=showalam&ids=5أبا عبيدة بن الجراح على من اجتمع وأمره
بحمص ، وسار
أبو عبيدة على باب من
البلقاء فقاتله أهله ثم صالحوه ، فكان أول صلح في
الشام .
واجتمع للروم جمع بالعربة من أرض
فلسطين ، فوجه إليهم
nindex.php?page=showalam&ids=293يزيد بن أبي سفيان nindex.php?page=showalam&ids=481أبا أمامة الباهلي فهزمهم ، فكان أول قتال
بالشام بعد سرية
nindex.php?page=showalam&ids=111أسامة بن زيد . ثم أتوا الدائن فهزمهم
أبو أمامة أيضا ، ثم مرج الصفر استشهد فيها
ابن لخالد بن سعيد ، وقيل : استشهد فيها
خالد أيضا ، وقيل : بل سلم وانهزم على ما نذكره ، وذلك أنه لما سمع توجيه الأمراء بالجنود بادر لقتال الروم ، فاستطرد له
باهان فاتبعه
خالد ومعه
ذو الكلاع [ ص: 251 ] وعكرمة والوليد فنزل
مرج الصفر ، فاجتمعت عليه مسالح
باهان وأخذوا الطرق ، وخرج
باهان فرأى
ابن خالد بن سعيد فقتله ومن معه ، فسمع
خالد فانهزم ، فوصل في هزيمته إلى
ذي المروة قريب
المدينة ، فأمر
أبو بكر بالمقام بها ، وبقي
عكرمة في الناس ردءا للمسلمين يمنع من يطلبهم .
وكان قد قدم
شرحبيل بن حسنة من عند
nindex.php?page=showalam&ids=22خالد بن الوليد إلى
أبي بكر وافدا ، فأمره
أبو بكر بالشام وندب معه الناس ، واستعمله على عمل
nindex.php?page=showalam&ids=292الوليد بن عقبة . فأتى
شرحبيل على
nindex.php?page=showalam&ids=2467خالد بن سعيد ففصل عنه ببعض أصحابه ، واجتمع إلى
أبي بكر ناس فأرسلهم مع
nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية بن أبي سفيان ، وأمره باللحاق بأخيه يزيد ، فلما مر
بخالد فصل عنه بباقي أصحابه . فأذن
أبو بكر لخالد بدخول المدينة . فلما وصل الأمراء إلى
الشام نزل
أبو عبيدة الجابية ، ونزل
يزيد البلقاء ، ونزل
شرحبيل الأردن ، وقيل :
بصرى ، ونزل
nindex.php?page=showalam&ids=59عمرو بن العاص العربة . فبلغ الروم ذلك فكتبوا إلى
هرقل ، وكان
بالقدس ، فقال : أرى أن تصالحوا المسلمين ، فوالله لأن تصالحوهم على نصف ما يحصل من
الشام ويبقى لكم نصفه مع بلاد الروم - أحب إليكم من أن يغلبوكم على
الشام ونصف بلاد الروم . فتفرقوا عنه وعصوه ، فجمعهم وسار بهم إلى
حمص ، فنزلها وأعد الجنود والعساكر ، وأراد إشغال كل طائفة من المسلمين بطائفة من عسكره ؛ لكثرة جنده ؛ لتضعف كل فرقة من المسلمين عمن بإزائه ، فأرسل
تذارق أخاه لأبيه وأمه في تسعين ألفا إلى
عمرو ، وأرسل
جرجة بن توذر إلى
nindex.php?page=showalam&ids=293يزيد بن أبي سفيان ، وبعث
القيقار بن نسطوس في ستين ألفا إلى
nindex.php?page=showalam&ids=5أبي عبيدة بن الجراح ، وبعث
الدراقص نحو
شرحبيل ، فهابهم المسلمون وكاتبوا
عمرا ما الرأي ، فأجابهم : إن الرأي لمثلنا الاجتماع ، فإن مثلنا إذا اجتمعنا لا نغلب من قلة ، فإن تفرقنا لا يقوم كل فرقة له بمن استقبلها لكثرة عدونا .
وكتبوا إلى
أبي بكر فأجابهم مثل جواب
عمرو وقال : إن مثلكم لا يؤتى من قلة ، وإنما يؤتى العشرة آلاف من الذنوب ، فاحترسوا منها ، فاجتمعوا
باليرموك متساندين ، وليصل كل واحد منكم بأصحابه . فاجتمع المسلمون
باليرموك ، والروم أيضا وعليهم
[ ص: 252 ] التذارق ، وعلى المقدمة
جرجة ، وعلى المجنبة
باهان ، ولم يكن وصل بعد إليهم ،
والدراقص على الأخرى ، وعلى الحرب
القيقار . فنزل الروم وصار الوادي خندقا لهم ، وإنما أرادوا أن يتأنس الروم بالمسلمين لترجع إليهم قلوبهم ، ونزل المسلمون على طريقهم ، ليس للروم طريق إلا عليهم ، فقال
عمرو : أبشروا ! حصرت الروم ، وقل ما جاء محصور بخير .
وأقاموا صفرا عليهم وشهري ربيع لا يقدرون منهم على شيء من الوادي والخندق ، ولا يخرج الروم خرجة إلا أديل عليهم المسلمون .