[ ص: 462 ] 27
[ ثم دخلت سنة سبع وعشرين ]
ذكر ولاية
nindex.php?page=showalam&ids=16436عبد الله بن سعد بن أبي سرح مصر وفتح
إفريقية
في هذه السنة
عزل nindex.php?page=showalam&ids=59عمرو بن العاص عن خراج مصر ، واستعمل عليه
nindex.php?page=showalam&ids=16436عبد الله بن سعد بن أبي سرح ، وكان أخا
عثمان من الرضاعة ، فتباغيا ، فكتب
عبد الله إلى عثمان يقول : إن
عمرا كسر على الخراج . وكتب
عمرو يقول : إن
عبد الله قد كسر على مكيدة الحرب . فعزل
عثمان عمرا واستقدمه ، واستعمل بدله
عبد الله على حرب
مصر وخراجها ، فقدم
عمرو مغضبا ، فدخل على
عثمان وعليه جبة محشوة [ قطنا ] ، فقال له : ما حشو جبتك ؟ قال :
عمرو . قال : قد علمت [ أن حشوها
عمرو ] ولم أرد هذا ، [ إنما سألت أقطن هو أم غيره ؟ ] .
وكان
عبد الله من جند
مصر ، وكان قد
أمره عثمان بغزو إفريقية سنة خمس وعشرين ، وقال له
عثمان : إن فتح الله عليك فلك من الفيء خمس الخمس نفلا . وأمر
عبد الله بن نافع بن عبد القيس ،
وعبد الله بن نافع بن الحارث على جند ، وسرحهما [ إلى
الأندلس ] ، وأمرهما بالاجتماع مع
nindex.php?page=showalam&ids=16436عبد الله بن سعد على صاحب
إفريقية ، ثم يقيم
[ ص: 463 ] عبد الله في عمله . فخرجوا حتى قطعوا أرض
مصر ووطئوا أرض
إفريقية ، وكانوا في جيش كثير عدتهم آلاف من شجعان المسلمين ، فصالحهم أهلها على مال يؤدونه ولم يقدموا على دخول
إفريقية والتوغل فيها لكثرة أهلها .
ثم إن
nindex.php?page=showalam&ids=16436عبد الله بن سعد لما ولي أرسل إلى
عثمان في غزو
إفريقية ، والاستكثار من الجموع عليها وفتحها ، فاستشار
عثمان من عنده من الصحابة ، فأشار أكثرهم بذلك ، فجهز إليه العساكر من المدينة ، وفيهم جماعة من أعيان الصحابة ، منهم
nindex.php?page=showalam&ids=11عبد الله بن عباس وغيره ، فسار بهم
nindex.php?page=showalam&ids=16436عبد الله بن سعد إلى
إفريقية . فلما وصلوا إلى
برقة لقيهم
nindex.php?page=showalam&ids=5716عقبة بن نافع فيمن معه من المسلمين ، وكانوا بها ، وساروا إلى
طرابلس الغرب فنهبوا من عندها من
الروم . وسار نحو
إفريقية وبث السرايا في كل ناحية ، وكان ملكهم اسمه
جرجير ، وملكه من
طرابلس إلى
طنجة ، وكان
هرقل ملك
الروم قد ولاه
إفريقية ، فهو يحمل إليه الخراج كل سنة . فلما بلغه خبر المسلمين تجهز وجمع العساكر وأهل البلاد ، فبلغ عسكره مائة ألف وعشرين ألف فارس ، والتقى هو والمسلمون بمكان بينه وبين مدينة سبيطلة يوم وليلة ، وهذه المدينة كانت ذلك الوقت دار الملك ، فأقاموا هناك يقتتلون كل يوم ، وراسله
nindex.php?page=showalam&ids=16436عبد الله بن سعد يدعوه إلى الإسلام أو الجزية ، فامتنع منهما وتكبر عن قبول أحدهما .
وانقطع خبر المسلمين عن
عثمان ، فسير
عبد الله بن الزبير في جماعة إليهم ليأتيه بأخبارهم ، فسار مجدا ووصل إليهم وأقام معهم ، ولما وصل كثر الصياح والتكبير في المسلمين ، فسأل
جرجير عن الخبر فقيل قد أتاهم عسكر ، ففت ذلك في عضده . ورأى
عبد الله بن الزبير قتال المسلمين كل يوم من بكرة إلى الظهر ، فإذا أذن الظهر عاد كل فريق إلى خيامه ، وشهد القتال من الغد فلم ير
ابن أبي سرح معهم ، فسأل عنه ، فقيل إنه سمع منادي
جرجير يقول : من
قتل عبد الله بن سعد فله مائة ألف دينار وأزوجه ابنتي ، وهو يخاف ، فحضر عنده وقال له : تأمر مناديا ينادي : من أتاني برأس
جرجير نفلته مائة ألف وزوجته ابنته واستعملته على بلاده . ففعل ذلك ، فصار
جرجير يخاف أشد من
عبد الله .
ثم إن
عبد الله بن الزبير قال
لعبد الله بن سعد : إن أمرنا يطول مع هؤلاء ، وهم في أمداد متصلة وبلاد هي لهم ، ونحن منقطعون عن المسلمين وبلادهم ، وقد رأيت أن نترك غدا جماعة صالحة من أبطال المسلمين في خيامهم متأهبين ،
ونقاتل نحن الروم في باقي العسكر إلى أن يضجروا ويملوا ، فإذا رجعوا إلى خيامهم ورجع المسلمون ركب من كان
[ ص: 464 ] في الخيام من المسلمين ، ولم يشهدوا القتال وهم مستريحون ، ونقصدهم على غرة ، فلعل الله ينصرنا عليهم ، فأحضر جماعة من أعيان الصحابة واستشارهم فوافقوه على ذلك .
فلما كان الغد فعل
عبد الله ما اتفقوا عليه ، وأقام جميع شجعان المسلمين في خيامهم ، وخيولهم عندهم مسرجة ، ومضى الباقون فقاتلوا
الروم إلى الظهر قتالا شديدا . فلما أذن بالظهر هم
الروم بالانصراف على العادة ، فلم يمكنهم
ابن الزبير وألح عليهم بالقتال حتى أتعبهم ، ثم عاد عنهم هو والمسلمون ، فكل من الطائفتين ألقى سلاحه ووقع تعبا ، فعند ذلك أخذ
عبد الله بن الزبير من كان مستريحا من شجعان المسلمين ، وقصد
الروم ، فلم يشعروا بهم حتى خالطوهم ، وحملوا حملة رجل واحد وكبروا ، فلم يتمكن
الروم من لبس سلاحهم ، حتى غشيهم المسلمون وقتل
جرجير ، قتله
ابن الزبير ، وانهزم
الروم ، وقتل منهم مقتلة عظيمة ، وأخذت ابنة الملك
جرجير سبية . ونازل
nindex.php?page=showalam&ids=16436عبد الله بن سعد المدينة ، فحصرها حتى فتحها ، ورأى فيها من الأموال ما لم يكن في غيرها ، فكان سهم الفارس ثلاثة آلاف دينار وسهم الراجل ألف دينار .
ولما فتح
عبد الله مدينة
سبيطلة بث جيوشه في البلاد فبلغت
قفصة ، فسبوا وغنموا ، وسير عسكرا إلى
حصن الأجم ، وقد احتمى به أهل تلك البلاد ، فحصره وفتحه بالأمان ، فصالحه أهل
إفريقية على ألفي ألف وخمسمائة ألف دينار ، ونفل
عبد الله بن الزبير ابنة الملك ، وأرسله إلى
عثمان بالبشارة بفتح
إفريقية ، وقيل : إن ابنة الملك وقعت لرجل من الأنصار فأركبها بعيرا وارتجز بها يقول :
يا ابنة جرجير تمشي عقبتك إن عليك بالحجاز ربتك لتحملن من قباء قربتك
ثم إن
nindex.php?page=showalam&ids=16436عبد الله بن سعد عاد من
إفريقية إلى
مصر ، وكان مقامه
بإفريقية سنة وثلاثة أشهر ، ولم يفقد من المسلمين إلا ثلاثة نفر ، قتل منهم
أبو ذؤيب الهذلي الشاعر فدفن هناك ، وحمل خمس
إفريقية إلى المدينة ، فاشتراه
nindex.php?page=showalam&ids=17065مروان بن الحكم بخمسمائة ألف دينار ، فوضعها عنه
عثمان ، وكان هذا مما أخذ عليه .
[ ص: 465 ] وهذا أحسن ما قيل في خمس
إفريقية ، فإن بعض الناس يقول : أعطى
عثمان خمس
إفريقية nindex.php?page=showalam&ids=16436عبد الله بن سعد ، وبعضهم يقول : أعطاه
nindex.php?page=showalam&ids=17065مروان بن الحكم . وظهر بهذا أنه أعطى
عبد الله خمس الغزوة الأولى ، وأعطى
مروان خمس الغزوة الثانية التي افتتحت فيها جميع
إفريقية ، والله أعلم .
ذكر
انتقاض إفريقية وفتحها ثانية
كان
هرقل ملك
القسطنطينية يؤدي إليه كل ملك من ملوك
النصارى الخراج ، فهم من
مصر وإفريقية والأندلس وغير ذلك ، فلما صالح أهل
إفريقية nindex.php?page=showalam&ids=16436عبد الله بن سعد أرسل
هرقل إلى أهلها بطريقا له ، وأمره أن يأخذ منهم مثل ما أخذ المسلمون ، فنزل البطريق في
قرطاجنة ، وجمع أهل
إفريقية وأخبرهم بما أمره الملك ، فأبوا عليه ، وقالوا : نحن نؤدي ما كان يؤخذ منا ، وقد كان ينبغي له أن يسامحنا لما ناله المسلمون منا . وكان قد قام بأمر
إفريقية بعد قتل
جرجير رجل آخر من
الروم ، فطرده البطريق . بعد فتن كثيرة ، فسار إلى
الشام وبه
معاوية وقد استقر له الأمر بعد قتل
علي ، فوصف له
إفريقية وطلب أن يرسل معه جيشا ، فسير
nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية بن أبي سفيان nindex.php?page=showalam&ids=8044معاوية بن حديج السكوني . فلما وصلوا إلى
الإسكندرية هلك
الرومي ، ومضى
ابن حديج فوصل إلى
إفريقية وهي نار تضطرم ، وكان معه عسكر عظيم ، فنزل عند
قمونية ، وأرسل البطريق إليه ثلاثين ألف مقاتل . فلما سمع بهم
معاوية سير إليهم جيشا من المسلمين ، فقاتلوهم ، فانهزمت
الروم ، وحصر
حصن جلولاء ، فلم يقدر عليه ، فانهدم سور الحصن ، فملكه المسلمون وغنموا ما فيه ، وبث السرايا ، فسكن الناس وأطاعوا ، وعاد إلى
مصر .
(
حديج : بضم الحاء وفتح الدال المهملتين وآخره جيم ) .
ثم لم يزل أهل
إفريقية من أطوع أهل البلدان وأسمعهم ، إلى زمان
nindex.php?page=showalam&ids=17243هشام بن عبد الملك ، حتى دب إليهم
أهل العراق واستثاروهم ، فشقوا العصا ، وفرقوا بينهم إلى اليوم ، وكانوا يقولون : لا نخالف الأئمة بما تجني العمال . فقالوا لهم : إنما يعمل هؤلاء بأمر أولئك . فقالوا : حتى نخبرهم ، فخرج
ميسرة في بضعة وعشرين رجلا ، فقدموا على
هشام فلم يؤذن لهم ، فدخلوا على
الأبرش فقالوا : أبلغ أمير المؤمنين أن أميرنا يغزو بنا
[ ص: 466 ] وبجنده ، فإذا غنمنا نفلهم ، ويقول : هذا أخلص لجهادنا ، وإذا حاصرنا مدينة قدمنا وأخرهم ، ويقول : هذا ازدياد في الأجر ، ومثلنا كفى إخوانه ، ثم إنهم عمدوا إلى ماشيتنا ، فجعلونا يبقرون بطونها عن سخالها ، يطلبون الفراء البيض لأمير المؤمنين ، فيقتلون ألف شاة في جلد ، فاحتملنا ذلك ، ثم إنهم سامونا أن يأخذوا كل جميلة من بناتنا ، فقلنا : لم نجد هذا في كتاب ولا سنة ونحن المسلمون ، فأحببنا أن نعلم أعن رأي أمير المؤمنين هذا أم لا ؟ فطال عليهم المقام ونفدت نفقاتهم ، فكتبوا أسماءهم ودفعوها إلى وزرائه وقالوا : إن سأل عنا أمير المؤمنين فأخبروه . ثم رجعوا إلى
إفريقية فخرجوا على عامل
هشام ، فقتلوه واستولوا على
إفريقية ، وبلغ الخبر
هشاما ، فسأل عن النفر فعرف أسماءهم ، فإذا هم الذين صنعوا ذلك .
ذكر
غزوة الأندلس
لما افتتحت إفريقية أمر
عثمان عبد الله بن نافع بن الحصين وعبد الله بن نافع بن عبد القيس أن يسيرا إلى
الأندلس ، فأتياها من قبل البحر ، وكتب
عثمان إلى من انتدب معهما : أما بعد فإن
القسطنطينية إنما تفتح من قبل
الأندلس .
فخرجوا ومعهم
البربر ، ففتح الله على المسلمين وزاد في سلطان المسلمين مثل
إفريقية . ولما عزل
عثمان عبد الله بن سعد عن
إفريقية ترك في عمله
عبد الله بن نافع بن عبد القيس ، فكان عليها ، ورجع
عبد الله إلى
مصر . وبعث
عبد الله إلى
عثمان مالا قد حشد فيه ، فدخل
عمرو على
عثمان فقال له : يا
عمرو هل تعلم أن تلك اللقاح درت بعدك ؟ قال
عمرو : إن فصالها قد هلكت .
ذكر عدة حوادث
حج بالناس هذه السنة
عثمان . وفيها كان فتح
إصطخر الثاني على يد
nindex.php?page=showalam&ids=61عثمان بن أبي العاص . وفيها غزا
nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية بن أبي سفيان قنسرين .
[ ص: 467 ] [ الوفيات ]
وفيها مات
أبو ذؤيب الهذلي الشاعر بمصر منصرفا من
إفريقية ، وقيل : بل مات بطريق
مكة في البادية ، وقيل : مات
ببلاد الروم ، وكلهم قالوا : مات في خلافة
عثمان .
وفيها مات
أبو رمثة البلوي بإفريقية ، له صحبة .
وفيها
ماتت nindex.php?page=showalam&ids=41حفصة بنت عمر بن الخطاب زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وقيل : ماتت سنة إحدى وأربعين ، وقيل : سنة خمس وأربعين .